بدأت معركة درعا، والسيناريو كما كان في الغوطة، وقبلها في حلب، وهذا يُظهر أن القرار الروسي هو الحسم العسكري لمن لا يريد الاستسلام. هذا كان واضحاً منذ البدء، على الرغم من كل المفاوضات والنقاشات، حيث يريد الروس فرض خطتهم القائمة على بقاء النظام، بمن فيه بشار الأسد، وإخضاع كل من تمرّد عليه.
لكن، لبدء معركة الجنوب، كان لا بد من ترتيباتٍ مع أطراف عدة، حيث كانت الجبهة الجنوبية في حالة خفض تصعيد برعاية روسية أميركية أردنية (وأيضاً إسرائيلية). لهذا زار رئيس الأركان الروسي الدولة الصهيونية قبل فترة وجيزة، سبقت ذلك تصريحاتٌ لوزير الحرب أفيغدور ليبرمان، ورئيس الوزراء نتنياهو، تؤكد على قبول بقاء الأسد، في حال وافق على إبعاد إيران وحزب الله من سورية. بالتالي من الواضح أن الدولة الصهيونية حصلت على نقطتين: مجال جوي مفتوح لاستمرار ضرب مواقع إيران وحزب الله، وتوافق على إبعاد قواتهما من سورية، على الرغم من أنهما يشاركان في الحرب على درعا (بعكس ما صرّح ليبرمان حينما قال إنه ليس هناك قوات لإيران في الجنوب). لكن هل وقفت الأمور هنا؟ يصرّ الروس على أن يكون جيش النظام على الحدود الجنوبية وفي الجولان، والدولة الصهيونية توافق على ذلك، حيث حماها سنوات طويلة، ولكن سيظهر أن خلف ذلك كله أيضاً سعيا إلى تحقيق “سلام” بين النظام والدولة الصهيونية، وستلعب روسيا الدور المحوري في ذلك، لكي تظهر أنها من يحقق “السلام”، وأن أميركا عاجزة وحدها على ذلك، كما أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أخيرا.
في المقابل، ظهر أن هناك توافقا أميركيا روسيا، حيث أعلمت أميركا قادة الجبهة الجنوبية أنها لن تتدخل، وليست معنية بدعم الجبهة. أي أنها، بعد صياح وتهديد، تخلت عن الجبهة الجنوبية، على الرغم من أنها ترعى خفض التصعيد هناك. قبل ذلك بقليل، أعلنت روسيا أنها لن توفّر الغطاء الجوي لقوات إيران وحزب الله غربي الفرات، بعد أن كانت تعتبر غربي الفرات من حصتها، في مقابل شرق الفرات الذي هو من حصة أميركا. وعلى ضوء ذلك، لم تعد تعتبر التنف جزءاً من الجبهة الجنوبية. وهذا يعني أن روسيا تنازلت لأميركا هناك. وأميركا تطالب كذلك برحيل قوات إيران وحزب الله من سورية، بالتالي يمكن القول إن أول نقطة جرى التوافق عليها هي رحيل قوات إيران وأتباعها من سورية. وعلى الرغم من مشاركة هذه القوات الآن في الحرب على درعا، ستبقى تحت التهديد الصهيوني (كما حدث بقصف مطار دمشق الأسبوع الجاري)، وسيبقى أمر رحيلها الأولوية إذا ما استطاعت السيطرة على منطقة درعا.
ما يظهر هنا أن توافقاً روسياً أميركياً صهيونياً تحقق في سورية، ولهذا باعت أميركا من كانوا يعتبرون حلفاء لها، وقبلت الدولة الصهيونية بوجود بشار الأسد. وهذا يعني توافقا على الحل في سورية، والذي ينطلق من الخطة الروسية. ربما هذه مقدمة لتفاهم روسي أميركي، سوف يتحقق في لقاء الرئيسين بوتين وترامب في الشهر المقبل.
ربما يوضّح ذلك كله مسار الوضع السوري، لكن في الواقع درعا تتعرّض لأبشع قصف جوي، ويُدفع أهلها إلى التهجير، والمصير المطروح على المقاتلين، كما طرحه الروس قبل الهجمة البربرية، هو الترحيل كما حدث في المناطق الأخرى. يُؤمل ألا يصل الوضع إلى هذا الحد، وأن تصمد الجبهة الجنوبية. لكن مأساة الثورة السورية تمثلت في أن القوى العظمى والدول الإقليمية كلها كانت معنيةً بأن تُسحق لا أن تنتصر، وكان جزءاً من سحقها رهان أطراف المعارضة على دول عظمى وإقليمية، كانت تسعى إلى عكس ما تريده. هذا يظهر واضحاً الآن.
Social Links: