الهجرة واللجوء بالنسبة لمنطقتنا ليستا ظاهرتين جديدتين – عارف دليله

الهجرة واللجوء بالنسبة لمنطقتنا ليستا ظاهرتين جديدتين – عارف دليله

عارف دليله

تعليقا على دراسة الاخ علاء الدين الخطيب تحت عنوان “لماذا استقبلت اوربا ملايين المهاجرين ؟ ” كتبت هذا الراي ، ولكن عندما حاولت تنزيله في موضع التعليق على مقاله لم اتمكن من ذلك ، ربما بسبب حجمه ، فرايت ان انشره هنا .

_______________

تحية طيبة اخ علاء على هذه الدراسة القيمة ، مثل دراساتك الاخرى .

الهجرة واللجوء بالنسبة لمنطقتنا ليستا ظاهرتين جديدتين .

ويكفي ان نذكر ان عشرات الملايين من اهل بلاد الشام الطبيعية هم الان ، مع ابنائهم واحفادهم ، مواطنون يشغلون مكانة هامة في مجتمعات امريكا اللاتينية وقد هربوا من بلدانهم بسبب الضغوط الاقتصادية والامنية التي عاشوها في فترة الاحتلال العثماني لبلاد الشام .

لكن الدفعة الاكثر اهمية للهجرة واللجوء خلال ثلاثة ارباع القرن الاخيرة كانت نتيجة للانتداب البريطاني _ الصهيوني على ارض فلسطين ، والذي بدا بوعد بلفور عام ١٩١٧ ، الذي حقق غايته ، بجميع الوسائل ، واهمها العنف ، بقيام اسرائيل عام ١٩٤٨ بقرار دولي على ارض فلسطين ، وطرد اهلها الاصليين منها لاحلال اليهود المطرودين من اوربا محلهم . وقد تكفل العالم الغربي ، وعلى راسه الولايات المتحدة الاميريكية ، خلال ثلاثة ارباع القرن بحصار وامتصاص الفلسطينين وتشتيتهم في العالم من اجل تخفيف الضغط على وليدتهم اسرائيل وتمكينها من الاستمرار والتضخم ، مستعينا بمن اختار من ” المتطوعين ” العرب للمساعدة على انجاز هذه المهمة الكبيرة !

لكن الهجرة الحالية التي حصلت في السنوات الخمس الاخيرة تتميز بخصائص استثنائية عن غيرها من حالات الهجرة واللجوء .

وفي دراستك ، استعرضت مختلف التفسيرات لاسباب وطريقة استقبال المهاجرين من قبل الدول الاوربية ، ثم اسقطت من الاعتبار تلك التي قرنتها بصفة المؤامرة ، حسب زعم اصحابها ، لتقر تفسيرا آخر لم يحتل مكانته الرئيسة ، حسب رايك ، في الرأي العام ، وهو العامل الانساني لدى الشعوب الاوربية المستقبلة والضغوط التي شكلها على السلطات من اجل احتضان المهاجرين الهاربين والمطاردين ، انقاذا لهم من اوضاع مزرية في بلدانهم ، العربية والاسلامية ، باغلبيتهم الساحقة .

انني اشاركك التاكيد على وجود هذا العامل وعلى ضرورة اعطائه القيمة التي يستحقها ، وعلى كونه من ثمرات تأصل حقوق الانسان في اخلاقيات الشعوب الاوربية الحديثة ، وبالاخص بعد الحرب العالمية الثانية ، والمعاناة الشديدة التي خلفتها في نفسيات هذه الشعوب ، واعلاء قيم الديمقراطية الانسانية لدى نسبة عالية من مواطني هذه البلدان ، حتى ادت الى ظهور احزاب خاصة ولوبيات خاصة للدفاع عن الهجرة والضغط على الحكومات لمنعها من مواجهتها بالاساليب القسرية ، ولمواجهة الاحزاب واللوبيات والايديولوجيات العنصرية التي وجدت البيئة الخصبة لتسفر عن وجهها وتستخدم ، ليس فقط صناديق الاقتراع ، وهي وسيلة قانونية للوصول الى السلطات التشريعية والتنفيذية ، بل و العنف والتهديد العاري في الشارع ضد الملونين والمسلمين ، مستغلين بعض السمات اللاحضارية المرتبطة بالتخلف والعنصرية لدى البعض من هؤلاء .

ومع ذلك ، اسمح لي ان اتوقف عند تفسيرين اثنين من التفسيرات التي اسقطتها :

الاول ، وهو العامل الديمغرافي _ الاقتصادي في بلدان الاستقبال .

والثاني ، وهو المتعلق باستقبال المسيحيين من مواطني بلدان الهجرة ،

فبالنسبة للعامل الاول ، ففي عام ١٩٩٩ ، قرر رؤساء دول الاتحاد الاوربي في قمة ” تامبير ” تبني سياسة مشتركة للتعامل مع الهجرة من اجل سد الثغرات في المجال الاقتصادي ، كتوفير اليد العاملة . وفي ١١/١/٢٠٠٥ اصدر المجلس الاوربي الكتاب الاخضر حول الهجرة الذي كان الهدف منه الاستفادة من عقول الدول النامية وكفاءاتها بشكل انتقائي ، وهذه سياسة ثابتة في جميع الدول الغنية ، وتظهر بشكل خاص في كندا واستراليا ، كدولتين في حاجة كبيرة للسكان ، اخذا بالاعتبار الاتساع الهائل لمساحتيهما ، والثروات الهائلة غير المستغلة فيهما . ومنذ اكثر من عقدين اجتذبت المانيا ، مثلا ، اكثر من ثلاثة آلاف خبير في المعلوماتية من الهند ، بشروط مغرية .

اتفق معك بان التدفق الهائل للمهاجرين في السنوات الخمس الاخيرة لم يكن تلبية لطلب اوربي على العقول والخبرات ، بسبب افتقار المهاجرين الهاربين من الجحيم ، وهم بغالبيتهم الساحقة من اقل الفئات السكانية كفاءة وتاهيلا ، وكذلك ثروة .

ولكن ، الا يمكن ان يكون بديلا لانتقاء اصحاب الكفاءات والثروات الجاهزة باعداد محدودة استقبال الكفاءات المحتملة واعدادها بدءا من الصغر وبدءا من المستويات الدنيا لكي تلبي الحاجة الملحة في سنوات قادمة ، اخذا بالاعتبار ان هناك نسبة محددة متقاربة للنابغين في مختلف المجتمعات ، والامثلة الفردية للسوريين المتفوقين في مختلف المجالات التي تظهر من بين المهاجرين واللاجئين تثبت صحة مااقول ، وبالتالي لايمكن اغفال هذا العامل ، كتفسير رئيس لاحتضان المهاجرين في دول اللجوء . وهذا ، مع عدم اهمال الحاجة الماسة الحالية للمجتمعات الاوربية الى عديمي او متوسطي الكفاءات القادرين فورا على سد الحاجات الى خدماتهم لسد الفراغات الحالية في كثير من المجالات التي لاتحتاج الى كفاءات ومؤهلات .

وناتي الى التفسير الثاني ، وهو المتعلق باستقبال المسيحيين :

وليس بالضرورة لاسباب طائفية ، الا اننا لانستطيع ان نتجاهل المبالغة والتركيز الخاص لدى اوساط غربية واسعة ، لاسباب مختلفة حسب اختلاف هذه الجهات ، على “الاضطهاد ” الذي تعانيه ” الاقليات” ، وعلى راسها “المسيحيون ” في المجتمعات الشرقية ، ذات الاغلبية الاسلامية ! ويجب ان لانتجاهل ايضا ، وبشكل خاص ، ان اكبر مساعدة لاصحاب هذه الدعوات تاتيهم من نفس الاوساط المتهمة من قبلهم ، ونخص بالذكر ، من المتطرفين ، ومن السلطات الممالئة لهم ، الذين يعطون يوميا الامثال الفظة التي تصب في طاحونة اصحاب هذه المزاعم الغربيين , والكثير من هذه الامثال ظهر اخيرا وجرى استغلاله بشكل طاغ اعلاميا ليؤتي أكله المرجوة !

لكن لنعد الى الوراء قليلا ، يوم لم تكن هذه الظواهر المفتعلة موجودة على الارض ، الم يجر ، وبشكل مخطط ، اغراء واغواء الكثيرين من المسيحيين ، تحديدا ، وبالاخص من سورية والعراق وبقية بلادالشام الطبيعية ، للهجرة من بلدانهم التي عاشوا فيها آلاف السنين ، حتى انخفاض نسبهم في مجتمعاتهم ( وليس لهذا السبب فقط ) الى ربع ماكانت عليه قبل نصف او ربع قرن ، مثلا ؟

اننا نؤكد ان السبب الرئيس للهجرة آنذاك كان هو نفس السبب الذي كان يدفع الناس للهجرة هربا من سوء الظروف المعيشية ومن الاضطهاد ، ولكن لم يكن هذا السبب خاصا بالمسيحيين حصرا ، وانما كان عاما ، ولربما كان يعاني منه غير المسيحيين بدرجة اكبر ، ولكنهم لايتمتعون بنفس الفرص والمساعدات للخروج منه .

ان المشكلة العامة التي يعانيها البشر في منطقتنا بشكل عام ، في ظروف الحرب ، كما في ظروف اللاحرب ، هي مشكلة الفقر والاضطهاد ، ظروف اغلاق الآفاق والفرص امام الانسان ، بشكل عام ، مما ينتج عنه كل الآفات ، بما فيها آفة التطرف والارهاب !

انها مشكلة الانظمة والسلطات السياسية القمعية الاستبدادية الفاسدة ، المنصبة ( بتشديد الصاد ) استعماريا ، والمدعمة من قبل الامبريالية _ الصهيونية واحتكاراتها ، ووليدهم اللقيط القوى المجتمعية المتطرفة المعادية للانسان ، وبشكل عام ، ما اسمبهم ” الاخوة الاعداء ” !

اما بالنسبة لاسباب استقبال المهاجرين ، بشكل عام ، فانها مركبة وتحتمل تفسيرات متعددة ، وليس تفسيرا واحدا احاديا ، على اهميته !

  • Social Links:

Leave a Reply