العلمانيةُ سياسيةٌ داخليةٌ وخارجية  – عبد الله خليفه

العلمانيةُ سياسيةٌ داخليةٌ وخارجية  – عبد الله خليفه


تدفع الدولُ العربية ثمناً باهظاً يزدادُ كلَ يوم مع عدمِ تشكيل سياساتٍ علمانية ديمقراطية داخلية متصاعدة تبعدُ القوى الدينية والفاشية والفوضوية عن ساحة السياسة. في البدءِ يغدو الثمن عمليات قتل وحرق لسياح أو مواطنين أو عمليات تخريب محدودة ثم تتصاعد الأمورُ عبر خطف الأقاليم وإقتطاع أجزاء من البلد يقوم هؤلاء الطائفيون بحكمها والسيطرة عليها ثم ينشرون سلطتهم عليها حتى يزعزعوا أي بلد عربي ويهدمونه. تتحجر القوى السياسية وتجامل وتتجمد مفترضة حسن النوايا، غيرَ مدركةٍ أن الحرائقَ من مستصغرِ الشرر، كما يحدث بين مصر والسودان، حيث تجمدتْ مواقفُ الحكومات المتعاقبة في مصر تجاه قضايا الإسلام وتركتهُ في يد القوى المحافظة الطائفية اليمينية، ولم تشكلْ سياسات علمانية ديمقراطية تتأسس على تغيير حياة النساء وإعطائهن حقوقهن، وتطوير حياة الفلاحين ونشر ثقافة الديمقراطية والعلمانية والعقلانية الفكرية أي عدم المتاجرة السياسية بالإسلام. إن غياب المواقف التحديثية تجاه الإسلام هو غياب لمواقف الحكومات تجاه حقوق العمال والفقراء والنساء، وعدم تطوير برجوازية خاصة حرة ومبدعة إقتصادياً، حتى أكلتْ الأجهزةُ البيرقراطية والعسكرية الأخضرَ واليابس.

غياب سياسة داخلية علمانية يصير مواقف دينيةً طائفية في السياسة الخارجية. فتشكلتْ المجاملات في السياسة الخارجية بعدم رفض إسرائيل كدولةٍ دينية غير علمانية حقيقة إضافة إلى أنها دولة إحتلال، وعدم مجابهة اللاعقلانية التي تنشرها الجماعاتُ الطائفية في طول الوطن العربي وعرضه، وهي كانت منتجة الثقافة القومية التحررية العلمانية ورائدة الحداثة والتوحيد. والتوحيد هو بؤرة الأمة ومن يفرط فيه فرط في وجودها. حتى وصلت الأمور لتمزيق خارطة مجرى النيل شريان الحياة لمصر! عدم تعاون القوى السياسية الحاكمة مع القوى الديمقراطية والتقدمية في مصر، مثله مثل إنهيار الجبهات الوطنية في كل من سوريا والعراق والجزائر وصعود القوى البيروقراطية وهيمنتها على كل شيء، والعلمانيةُ الديمقراطيةُ هي تتويجٌ للتعاون بين القوى السياسية ذات البرامج التحديثية. وحلتْ محلها الطرقُ العمليةُ النفعية بتقلباتِها وبمصالحها الآنية، حيث النظر القصير وعدم رؤية الآفاق البعيدة، والتخلي عن الدور التوحيدي النهضوي الذي بدأته مصر والتطلع لمنافع عابرة محدودة. وكانت النتيجة أن مصر بتاريخها الديمقراطي العلماني تجامل نظامَ الأنقاذ العسكري الطائفي الذي مزقَ خريطة السودان. والآن يضعها على كف عفريت يطير بنيرانه ودخانه حول وادي النيل مبشراً بالخراب ومزيلاً سلامة النيل والتراب. بطبيعة الحال فإن التدخلات في شؤون الدول الأخرى السياسية مرفوضة ولكن السلبية قاتلة كذلك، فكيف تكون السياسة أما الزعامة المباشرة والتدخل وفرض نموذج قومي وأما السلبية وترك الأمور على عواهنها؟! لكن الأمور إعتمدت لدى الإدارات العسكرية المصرية على إرادة الزعيم وغياب الفلسفة الوطنية الديمقراطية العلمانية المؤسسة فلم تخلق نموذجاً وطنياً ديمقراطياً، وحين تلغي العلمانية الداخلية ولا تطور وتوحد مواقف القوى الديمقراطية الوطنية، تجد نفسك مع ضباط أو مع فوضويين وطائفيين ليست لديهم دراية بالسياسة والأمن ووحدة البلدان فتنتقل الحرائق لبلدك. لقد رأيت الحريق في بيت جارك فكيف تسكت؟ الآن ينتقل الحريق لغرف نومك. هذا ما حدث كذلك في البلدان العربية الأخرى كسوريا والعراق والجزائر وغيرها التي نفضت خطاب الوحدة الوطني الديمقراطي العلماني فتغلغلتْ في صفوفها القوى الطائفية الخطرة المسلحة وراحت تمزقُ الخرائطَ الوطنية وتدمر ثروة العقول النقدية وعلاقات الرجال والنساء التحديثية البسيطة وتفرض نماذج من عصور الظلام والفوضى والعنف. لا تزال الأمور ممكنة وإمكانيات الوحدة لنضالية التحديثية قائمة على شفا هاوية والقوى الطائفية والدينية الأجنبية المحافظة المحاصرة للعرب تتطلع إلى تمزقهم والهيمنة عليهم.

  • Social Links:

Leave a Reply