ما يزال في إمكان الغرب صياغة شروط السلام في سورية

ما يزال في إمكان الغرب صياغة شروط السلام في سورية

أوْدت الأزمة في سورية المستمرة منذ سبع سنوات بحياة نصف مليون شخص، وشردت أكثر من 5 ملايين لاجئ، وأعادت ترتيب الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، لكن الأسوأ ربما لم يأت بعد. لا يمكن السماح لصانعي السياسة الغربيين أن يشيحوا النظر ويتجاهلوا الواقع، بل عليهم إظهار قوتهم، عندما يجتمع مجلس الأمن الدولي لبحث الوضع في سورية هذا الشهر.

في حزيران/ يونيو، اقتحمت قوات بشار الأسد المنطقة الجنوبية الغربية من سورية، حيث انطلقت الانتفاضة. في غضون أسابيع، سيطرت على المعابر الحدودية مع الأردن التي كانت تستخدمها وكالات الإغاثة لإيصال المساعدات عبر الحدود لمئات الآلاف من السوريين الذين هم في أمس الحاجة. منظمتي (لجنة الإنقاذ الدولية) مع شبكتها من المنظمات الشريكة السورية، كانت أكبر مزود للرعاية الصحية في جنوب سورية، حيث تدعم أكثر من ربع مليون سوري.

الآن نحن ممنوعون/ مطرودون، من دون إمكانية الوصول إلى هؤلاء المحتاجين. ونحن لا نعرف مصير أولئك الذين كنا نخدمهم. إن التأكيدات من الحكومة السورية لا تُطمئن، على ضوء الظروف في مناطق أخرى استعادها النظام من قبل (مثل الغوطة شرق دمشق). حتى الشركاء الإنسانيون المرخص لهم بالعمل داخل سورية لم يحصلوا بعد على إذن من حكومة الأسد، لتقديم المساعدات الضرورية جدًا في العديد من المناطق التي خضعت مؤخرًا لسيطرتها.

حُظرت المساعدات الإنسانية، لكن من المرجح أن تزداد الاحتياجات، بالنظر إلى وحشية الهجوم لاستعادة درعا، الذي دفع مئات الآلاف من السوريين إلى النزوح من منازلهم في غضون أيام فقط. هؤلاء السكان معرضون بشدة لهجماتٍ انتقامية، بينما تقوم حكومة الأسد بإعادة تأكيد سيطرتها، التي يمكن أن تتضمن التجنيد العسكري القسري، والحرمان من المساعدات الإنسانية، والانتهاكات الجنسية ضد النساء والفتيات.

ومع إقصاء وكالات المعونة ومنع وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود؛ يجب على مجلس الأمن أن يطالب بوصول المساعدات الإنسانية غير المقيد إلى الجنوب، ومراقبة حماية المدنيين السوريين والتوزيع العادل للمساعدات. يجب تسجيل أي جرائم اُرتكبت، مع المساءلة الكاملة عن الجناة بموجب القانون الدولي. ويجب ألا يواجه كلّ من العاملين في المجال الإنساني ومتلقي المعونة الإنسانية، الذين كانوا يعيشون سنوات تحت سيطرة المعارضة، أي عواقب في الوقت الراهن، حيث يعيشون تحت سيطرة الحكومة.

يجب أن يولى اهتمام مماثل الآن إلى الشمال الغربي من سورية حول إدلب. هذا هو المكان الذي يوجد فيه أكبر خطر لحدوث كارثة إنسانية جديدة، حيث تمَّ ترحيل جماعات المعارضة المسلحة من أماكن أخرى في البلاد إلى هناك، في إطار ما يسمى “اتفاقات المصالحة”، ويستعد لمواجهة أخيرة ضد نظام الأسد. بين المتمردين والنظام، هناك 2.6 مليون مدني عالق، نصفهم قد نزحوا مرة واحدة على الأقل بسبب القتال. يحتاج مليون وسبعمئة ألف شخص بالفعل إلى مساعدات إنسانية من أجل البقاء. فرَّ ما يقرب من 70 ألف شخص بسبب الفظائع في الغوطة الشرقية، عاشوا تحت الحصار نحو خمسة أعوام.

لقد جعلت روسيا نفسها لاعبًا محوريًا في الحرب السورية. في نهاية تموز/ يوليو، اجتمعت مع تركيا وإيران في سوتشي الروسية، لمناقشة الاحتمالات في إدلب. لكن الصفقات الوحيدة للتخطيط للهجمات العسكرية، وليس حماية المدنيين، هي صفقات خطيرة. فقد استبعدوا الأمم المتحدة، وتجاهلوا دورها في عملية صنع السلام.

يحتاج مجلس الأمن إلى إعادة تأكيد ذاته. من الأهمية بمكان أن تستخدم الدول الغربية الأعضاء الدائمين في المجلس -الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا- صوتها ونفوذها، لحماية المدنيين في شمال غرب سورية. يجب أن تطالب الدول الثلاثة، أولًا، بضرورة تعليق الأطراف المعنية أي هجماتٍ مُخطط لها، وتنشيط محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة. إن مناطق خفض التصعيد واتفاقات المصالحة لم تحمي السوريين أو القانون الإنساني، وهما أكبر ضحيتين لهذه الحرب الطويلة الخارجة عن القانون.

ثانيًا، ينبغي فتح نقاط المراقبة العسكرية الاثني عشرة التابعة للجيش التركي في إدلب، أمام مسؤولي الأمم المتحدة، لردع أي انتهاكات للقانون الإنساني الدولي. يجب أن تسمح تركيا بالوصول الإنساني الكامل إلى شمال غرب سورية عبر حدودها.

ثالثًا، يجب أيضًا أن يكون هناك ضمان رادع، في حال حدوث أي نزاع، يجب أن تكون هناك طرق آمنة وحدود مفتوحة إلى تركيا للمدنيين الذين يهربون خوفًا على حياتهم.

يريد الأسد والحكومة الروسية اللعبَ وفق قواعدهما الخاصة للفوز بالحرب، ومن ثم إجبار الغرب على دفع كلفة إعادة بناء سورية. يجب أن يتخلصوا من هذا الوهم.

ومن الأهمية بمكان، أن يكون هذا الأمر واضحًا: من دون الانتقال السياسي الشامل والكامل، كنتيجة للمفاوضات في جنيف والضمانات لسلامة السوريين الآن؛ فإن التمويل الغربي لمساعدات إعادة إعمار سورية في مرحلة ما بعد الصراع، سيبقى خارج الطاولة.

للمال الغربي نفوذ، ولكن للحضور الغربي نفوذ أيضًا. شمال شرق البلاد يخضع حاليًا للسيطرة الكردية، مع 2000 جندي أميركي يقدمون ضمانة من هجمات نظام الأسد ضد المدنيين. ينبغي على الرئيس ترامب أن يدرك هذا النفوذ أيضًا، وليس التكهن، كما فعل مؤخرًا، بشأن الانسحاب.

دفع السوريون ثمن حصانة رئيسهم. أصبح الأسد في وضع أقوى الآن مما كان عليه منذ سنوات. لا بدَ لأحد ما أن يُذكرهم بالدرس القائل: إن الفوز بالحرب ليس مثل الفوز بالسلام.

  • Social Links:

Leave a Reply