على مفترق ثورة
د. سميرة مبيض
تلوح في الأفق المنظور نهاية مرحلة من مراحل الثورة السورية ويظهر مفترق طرق واضح بين توجهين أساسيين لاستمرار الحراك السوري.
فالاستمرار واقع، أما الشكل الذي سيتجسد به هذا الواقع فهو من سيحدد ملامح المرحلة القادمة بل وسيحدد نتيجتها أيضا فهل يكون السوريون على قدر اختيار سبيل يفضي بمطالبهم المحقة إلى التحقق أم أن ظلاماً جديداً سيخيم على الطريق يشوه ملامحه ويحيله إلى متاهة يتوه بها كثيرون ونصل إلى لا مكان آخر يكون الأبد فيه حليف الاستبداد، ويكون الخنوع لنصف قرن آخر هو مصير السوريين.
حيث لم يعد يخفى على أحد أن حرف مسار الثورة السورية، المتَّسم بتسليحها وفق أيديولوجيات دينية متشددة غريبة عن المجتمع السوري، كان العامل الرئيسي لإبقاء نظام الأسد بالسلطة فكان المسار السابق منتهيا على ما هو عليه الحال اليوم.
وتبدو هذه النهاية محددة على عدة محاور، تهيء لما يعرف بالبيئة الآمنة والمحايدة وفق القرارات الدولية المتعلقة بسوريا، على الصعيد العسكري عبر تطبيق مناطق خفض التصعيد التي تهدف إلى إنهاء أي تواجد عسكري غير منضبط داخل سوريا، أي كل ما هو خارج القوى الرسمية التي تسيطر عليها الحكومات والدول، ومن ثم عبر لجنة دستورية قد تعمل على تعديل أو إعادة صياغة دستور البلاد، ليختتم المسار نهاية بالمحور السياسي وفق طرح حلٍّ سياسي مرتكز على المحاور السابقة.
لكن أي حل سياسي لن يصل بقفزة واحدة إلى ما طمح إليه السوريون في مطالبهم ببناء دولة القانون والتعددية السياسية وترسيخ المواطنة لذلك تفرض استمرارية الحراك السوري نفسها ويظهر المفترق بين الداعين لتغيير سياسي عميق يتضمن تغييراً في المفاهيم التي يرتكز عليها أي نظام استبدادي ويمنع إعادة تدويره تحت أي مسمى ويتضمن نهوض حقيقي في المجتمع بعد جمود قسري طال لخمسة عقود ويتطلب تحقيق ذلك عوامل عديدة، أهمها إعادة إحياء الحياة السياسية السليمة في سوريا، بعد الحل السياسي المزمع تطبيقه، وإتاحة الفرص للأحزاب والتجمعات السياسية بالنشوء، ولمنظمات المجتمع المدني بالعمل الفاعل والانتقال من نموذج حكم مافيوي إلى دولة بمؤسسات تعتمد على الكفاءة والمهنية ودولة قانون تقوم على دستور يتم تطبيقه وبقوانين يتم احترامها، من أبسطها وهو قانون السير إلى أعظمها وهو محاكمة الإجرام بأشكاله، وبتأسيس نظام تعلمي قائم على المصلحة العامة المشتركة للمجتمع.
تغيير يتم في ضوء النهار عبر حوامل واضحة لا تتضمن التسليح أو التحفيز الطائفي لفئة ضد فئة بل انتقال جذري بمئة وثمانين درجة نحو تغيير النظام بنقيضه الكامل بالحوكمة في كافة النواحي، هذا التغيير إن أتيح له التواجد سيستقطب كل من وقف على الحياد أو توجس من مستقبل مجهول، فالبديهي أن يسعى الإنسان لنيل حقه بالمواطنة ولاحترام حقوقه الإنسانية اليومية المعاشة والتي حرم السوريون جميعهم منها في ظل نظام الأسد والتي اعتبر القليل منها هبة أو منة رئاسية.
ومن جهة أخرى تبرز دعوات لإيجاد حراك مناهض للحكم في سوريا بالوسائل التي ترتأيها لغاية تحقيق الهدف الذي ترتأيه وهي لا تستثني التسليح منه وذلك هو المسار الثاني الذي قد يختلف مع سابقه بشكل رئيسي في خطورة التسليح، هذه الخطورة الناجمة من إمكانية حرفه والتلاعب به في أي مرحلة من قبل النظام من جهة أو دول خارجية من جهة أخرى، كما يختلف المساران في ضرورة وجود استراتيجية بعيدة المدى لإنهاء حكم الاستبداد، ليس باسقاط رموزه فحسب بل بإسقاط ما رسخه في المجتمع طيلة حقبة هيمنته على سوريا، من غياب أي انتماء وطني ومن تحفيز الكره والطائفية ومن تغييب المنظومة القيمية وتشريع الفساد والمحسوبية مما أدى إلى شروخ عميقة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، جميعها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار كي لا يتوه السبيل من جديد ولكي يكون للحرية مستقر مستدام في سوريا يقودها للتنمية والازدهار المنشود.
مفترق قادم، جوهر الاختلاف فيه هو اختلاف النظر للقضية السورية، بين قضية عدل وحرية لشعب واحد وإن تشرذم بخمسة عقود إلى مئة طيف وبين الإخوة الأعداء التي يصبح فيها لكل فئة قضية وكلّ بقضيته عدو للآخر وهدفه نقيض لها، ويضيع بالمتاهة حق الشعب السوري بالحياة بينما لا شيء يستحق هذه النهاية.
Social Links: