فرغتُ هذا الشهر من تأليف كتاب جديد, صغير الحجم (نحو مئة وخمس وعشرين صفحة), بعنوان: تجدّد ماركس. يتضمّن مفدّمة وثلاثة فصول.
يحمل الفصل الأوّل عنوان “توسيع دلالة المصطلح”, تناولتُ فيه ضرورة الخلاص من الانغلاق الناتج عن تضييق دلالة كلمات: اشتراكيّة وماركسيّة, ويساريّة على امتداد القرن العشرين.. لقد تتبّعتُ في هذا الفصل أهمّ مظاهر تضييق الدلالة وأسببها ونتائجها, وتطرّقتُ إلى تجربة الأحزاب الاشتراكيّة والماركسيّة التي ظهرت في القرن العشرين, وما برز في تلك التجربة النضاليّة من إيجابيّات وسلبيّات, وما حلّ بها نتيجة التبدّلات الكبيرة في الواقع الدوليّ ولا سيّما بعد ما عُرف بثورة الاتّصالات والمعلومات, وبعد نهاية الصورة النموذجيّة للحرب الباردة التي شكّلت محور الصراعات في العالم نحو خمسين عاماً, وحلول أشكال ومحتويات أخرى للحرب الباردة في هذه الفترة من القرن الحادي والعشرين, وضرورة ولادة الجديد الاشتراكيّ والماركسيّ القادر على استيعاب معطيات العصر.
أمّا الفصل الثاني فيحمل عنوان “الماركسيّة والديمقراطيّة”, وهو يتناول مشكلة الديمقراطيّة في فلسفة ماركس. لقد بيّنتُ أنّ الماركسيّة هي فلسفة في الحرّيّة, وهي ذات منطلق ديمقراطي لأنّها وضعت مصير الإنسان في يده, بعد أن كانت معظم الفلسفات السابقة قد وضعته في يد الغيب أو في يد العظماء والزعماء “الموهوبين المتنفّذين”. والماركسيّة أيضاً ذات غاية ديمقراطيّة, فهي ترمي إلى تحرير الإنسان المنتج من الاغتراب الذي وضعته فيه علاقاتُ الاستغلال, وإطلاق طاقاته لينتقل من عالم الضرورة إلى عالم الحرّيّة. لكنّ بين المنطلق الديمقراطيّ والغاية الديمقراطيّة حلقات منها ما هو غير ديمقراطيّ, أدّت إلى اتّجاهات غير ديمقراطيّة في الممارسة التي استندت إليها. ودرستُ هذه الحلقات وما بُني عليها, وتوصّلتُ إلى ضرورة وطريق الخلاص منها.
وتناولتُ في الفصل الثالث, وهو بعنوان “ثورة أكتوبر: الرغبة الثوريّة والضرورة التاريخيّة”, ثورة البلاشفة الروس بعد مئة عام من قيامها, بوصفها أوّل تجربة واقعيّة أعلنت استنادها إلى فكر ماركس, وعالجتُ ثنائيّة الرغبة والضرورة وبروزها في تلك الثورة, وتطرّقتُ إلى الشروط التي تجعلُ من الحدث الممكن حدثاً ضروريّاً, وأثر عدم توفّرها في مسيرة الثورة وطبيعة النظام الذي ولّدته ومآله.
وبيّنتُ في المقدّمة, وفي الفصول الثلاثة, أنّ الماركسيّة قابلة للتجدّد المستمرّ استناداً إلى منهجها الجدليّ المادّيّ التاريخيّ , أي قابلة لاستمرار الفاعليّة في عصرنا هذا, وأنّ منهجها والكثير من نظريّاتها قادرة على أن تكون أداة لتحليل الظاهرات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة في مجتعنا وغيره من المجتمعات.
أرجو أن أكون قد أضفت شيئاً إلى جهود المالركسيّين والاشتراكيّين من أجل النهوض بالفكر الاشتراكيّ وتجدّده بعامة, وتجدّد الماركسيّة بخاصّة, كي يسهم – من خلال حامليه – في حركة الكفاح الإنسانيّ في طريق العدالة والتحرّر.
Social Links: