لا يوجد في منظومة الحكم الإمبراطوري مرجعية قانونية أو أخلاقية إلا ما تقره هذه الإمبراطورية بنفسها ووحدها حينما تريد وحيثما تود .
وكان هذا على مر التاريخ لكنه في عصرنا أوضح باعتبار التطور التقني في المواصلات والاتصالات .
ولا خلاف على أن العقود الثلاثة الماضية كانت عهدا امبراطوريا أميركيا ، والأميركي وحده يقرر ما يجب فعله وما يجب تركه وتجاوزه ، والأمم المتحدة وقوانينها من حيث مضمون العلاقة مع الأميركي لا تختلف عن اي مؤسسة ” حكومية ” في بلادنا في علاقتها مع جهاز المخابرات ، والاختلاف في الشكل والأساليب فقط .
تلجأ اميركا إلى هذه المنظمة متى تريد وتتخطاها حينما تريد ، وترفع من شان قانونها وتقدسه بخصوص قضية تلبي مصالحها ، وتضرب عرض الحائط بالقانون ذاته بقضية ثانية تتناقض مع مصالحها .
تعتمد لعبة رفع الأيادي في مجلس نيويورك الكومبارسي رأس هيبة ( الشرعية الدولية ) .
وهي لعبة تشبه لعبة الجدات مع الأحفاد ( هدأ الحمام – طار الحمام ) بتغيير ضبط حرف الميم منسجما مع حركة الأيدي صعودا وهبوطا .
وهي اللعبة التي تتم بموافقة الجميع ورضاهم والتي تمثل قمة السخرية من الشعوب ومصيرها والاستهتار بمقدراتها وتاريخها ومكانتها .
وبقيت الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية توزع الأدوار الوظيفية على عدد كبير من دول العالم ، وتسقط إحداها وتقيم أخرى ، وتعاقب هذه وتكافئ تلك ، وتستبدل إحداها بثانية .
وتسعى جميع الدول إلى تقديم أوراق اعتمادها وظيفيا ، وتحاول كل منها أن تثبت لسيدها الأميركي انها أجدر من تلك بأداء المهمة .
ثم بعد ذلك يدبج مسؤولو تلك الحكومات خطابات وكلمات أمام شعوبهم يشرحون فيها نضالاتهم الوطنية ، ويستعرضون فيها قراراتهم الذاتية المشبعة بالسيادة والاستقلالية .
وتنقسم الدول تجاه الولايات المتحدة الأميركية كلاميا قسمين : قسم عدائي وقسم صديق ، وهما في حقيقتهما تجاهها واحد .
تقوم اميركا بتغذية القسم الأول دعما له لزيادة الوهم فيه عند أنصاره ، ولتزييف الوعي السياسي عندهم وخلطه ، ولإضاعة الوقت بعيدا عن الحقيقة .
وتدعم الثاني على أنه حليف ، له مكانته وتقديره وتأثيره ، وهو شريك لها في القرار بعد التشاور ، ضمن لقاءات بروتوكولية احتفالية أحيانا ، ومهيبة تارة أخرى .
أما الأحزاب المعارضة على فرض وجودها فهي لا تختلف عن المنظومات ” العصابات” الحاكمة في علاقتها مع الأميركي بغض النظر عن كتاباتهم وخلفياتهم الفكرية .
وجاءت موجة الربيع العربي فأظهرت على نحو غير مسبوق وبمستوى متقدم حقيقة حلفاء وأعداء الولايات المتحدة الأميركية ، وأنهم جميعا ليسوا أكثر من حكومات وظيفية لها أدوار محددة ومنصوص عليها ، تكاد تنفذ بحرفيتها ، والويل ثم الويل لمن يحاول مجرد محاولة أن يخرج عن النص .
والمثال الأوضح في دول الربيع العربي على ذلك كان سورية حيث انقسمت الدول قسمين : أصدقاء الشعب السوري ، وأعداء له ، والحقيقة أن كل دولة بغض النظر عن قسمها لها وظيفة محددة ، وبعضها أنهى وظيفته ودخل في اداء الوظيفة الجديدة ، وبعضها مازال يستكمل وظيفته الأساسية .
والعمل :
– التحرر من وهم الزعامات التي تنادي بحقوق الأمة وتناضل من أجل قضاياها الكبرى وتتكلم باسمها وتنبض بمطالبها ، لأن هذه المرحلة تحتاج إلى وقت حتى ترسى دعائمها .
– التخلص من وهم الأشخاص الذين تكتنفهم الحكومات وتصرف المال على سكنهم وتعليم أولادهم ، لأن هؤلاء لا يستطيعون أن يسدوا الفراغات الكبرى لصالح القضايا الجوهرية والمطالب الأساسية التي نادى بها شباب الربيع العربي .
– عدم السماح للأشخاص الموفدين من قبل الحكومات سرا أو علانية بتمرير اي مشروع مهما كان براقا أو واعدا ، لأن جميع هذه المشاريع ليست أكثر من تشتيتية ومضللة .
– الإصرار على مواصلة الطريق مهما بدا بعيدا – وهو قريب للغاية – والإعداد له سياسيا بمستوى نوعي وبطرق هادئة بعيدا عن جميع العصابات الحاكمة ، والتصاقا بالشعب وقضاياه وتطلعاته .
وحدها الشعوب المؤهلة لمواجهة المخططات الأميركية وأدواتها الوظيفية حتى الوصول إلى الهدف الأسمى .
محمد سعيد سلام
Social Links: