إذن نحن أمام سعي الحلف السعودي – الإماراتي – المصري لخلط الأوراق في المشهد السوري، من خلال إعادة تسويق النظام السوري ضمن المحور العربي، بعد الخطوات الماضية وذلك من خلال إعادة افتتاح بعض السفارات واجراء زيارات رسمية إلى دمشق.
لماذا هرعت الدول العربية المعادية لتركيا إلى مصالحة الأسد؟
كما يتحضر بشار الأسد لاستقبال الرئيس العربي الثاني بعد عمر البشير، منذ تهميشه مطلع 2011، اذا برمج الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز زيارته إلى سوريا في العاشر من شهر كانون الثاني/يناير المقبل، فقد ذكرت وكالة «سبوتنيك» الروسية «كان هناك توجه بأن يكون ولد عبد العزيز أول رئيس عربي يزور سوريا قبل زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لها، لكن جرى إرجاء الزيارة إلى ما بعد انتهاء عطلة يقضيها الرئيس في صحراء تيرس شمالي موريتانيا». وكانت وسائل إعلام محلية قد نقلت عن مصادر بالسفارة السورية في نواكشوط أن ولد عبد العزيز قرر الاستجابة لدعوة من الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة سوريا، تمت برمجتها بداية العام المقبل.
أعداء… فحلفاء
واحتفظت نواكشوط بعلاقات دبلوماسية كاملة مع سوريا رغم الأزمة التي عانتها سوريا منذ آذار/مارس 2011، فقد تمسكت ببقاء سفارتها في دمشق مفتوحة، كما لم تغلق السلطات الموريتانية السفارة السورية في نواكشوط.
ويجمع مراقبون ان بعض الدول العربية لم تقطع علاقاتها مع النظام السوري، رغم إبعاده خارج مظلة جامعتها، منذ شهر تشرين الأول – أكتوبر عام 2011، وفي هذا الصدد قال المعارض السياسي درويش خليفة إن تطبيع العلاقات مع النظام السوري لم ينقطع لبعض الدول العربية، طيلة السنوات الماضية، وخاصة بعد التدخل الروسي بشكل مباشر في الصراع أواخر عام 2015، حيث ربطت بعض الأنظمة العربية علاقاتها مع الحليف الدولي المساند للأسد، فبدأ الجميع يسمع أصواتاً من هنا وهناك على لسان وزراء وبرلمانيين عرب بأن حرمان النظام السوري من مقعده في الجامعة العربية، كان خطأ فادحاً.
وأمام مشهد «أعداء الأمس حلفاء اليوم»، استغرب المتحدث، مسارعة دول عربية إلى الدخول إلى الملعب السوري بشكل مباشر، بهدف عزل النظام عن حليفه الإيراني الذي قدم الغالي والنفيس من أجل بقاء الأسد ونظامه في الحكم، وتابع قائلاً: أرى أن هدف المخطط العربي الراهن يرمي إلى مسابقة تركيا قبل دخول الأخيرة إلى شرقي الفرات، وفي الوقت ذاته رداً على مطالب أنقرة بمحاسبة قتلة الصحافي السعودي «جمال خاشقجي».
يأتي ذلك بعد سلسلة من الخطوات بدأها البشير بزيارة رسمية إلى دمشق، وافتتاح الامارات سفاراتها في دمشق. حيث أن المحور السعودي – الإماراتي – المصري المذكور يرغب حسب المعارض السوري لمنع أي تقارب أمريكي – تركي، من شأنه إعطاء حرية التحرك لأنقرة في الشرق الأوسط المنهك بمشاكله الداخلية.
وقال «خليفة» لـ»القدس العربي»، حقيقةً المنظومة العربية لم تستطع فعل شيء مع الدول التي خالفت ميثاق الجامعة العربية بدءًا من مصر عندما وقعت اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979، وكذلك العراق عام 1990 عند دخوله الكويت، وفي السياق ذاته استخدمت الجامعة العربية مبدأ التعليق مع الحالة السورية، إذ أن الشعوب العربية لم تعد تنتظر اي جديد او فاعلية من الجامعة العربية لعدم جدية الدول الأعضاء بكونها مظلة تحميهم من الانظمة القمعية التي تقتل شعوبها وتنتهك كرامتهم.
دور موسكو «التطبيعي»
ويطمح قسم من الدول العربية المعادية لسياسات تركيا الإقليمية، التي وجدت هامشاً للمناورة إلى التحرك ضدها في سوريا ضمن اكثر من سياق ابرزها حسب الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي، يحض عليه مبادئ اللاورقة التي خرجت بها المجموعة المصغرة وتشارك فيها بعض تلك الدول العربية، حيث يكمن هامش المناورة باتخاذ الدعوة لانفتاح على النظام السوري بغرض إبعاده عن إيران، مجالاً لمواجهة تركيا وذلك عبر خلق تأثير عربي داخل محور روسيا في سوريا يساهم في الضغط على سياساتها الأمنية والخارجية في سوريا والإقليم.
والثاني؛ تحض عليه سياسات روسيا في سوريا والمنطقة، حيث تفتقد العلاقة بين موسكو وأنقرة لعامل الثقة، وهنا تبادر الدول العربية لخلق تأثير لها يتناغم مع سياسات روسيا ليشكل ضغطاً على تركيا. ورأى عاصي انه لا بد من القول إن التحرك العربي عبر محور روسيا لا يندرج سوى ضمن التأثير على السياسات ولا يرقى للعب دور فاعل. وتحاول تلك الدول الرد على الدور التركي في الخليج الداعم لقطر والذي يعرقل سياساتهم في المنطقة.
وفي سياق الحراك السياسي، فإن العامل الرئيسي وراء التطبيع مع النظام السوري حسب مراقبين، هو موسكو، اذ اعقب ذلك حملة من الدعاية الإعلامية قامت بها موسكو لحث الدول العربية على اعادة العلاقات مع نظام الأسد من أجل أن تحقق مكاسب سياسية جديدة وخصوصاً بعد اعلان الولايات المتحدة «الانتصار على تنظيم الدولة».
المعارض السوري والمحلل السياسي جميل سلو قال ان روسيا هي من خصبت الأرض أمام عملية التطبيع مع النظام السوري وتجلى ذلك عبر زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق بطائرة روسية، وما تلى ذلك من مجموعة من التصريحات الاخرى التي تفيد بأن دولاً مثل مصر والعراق والبحرين ستقوم فالخطوات نفسها.
ومن اللافت حسب المتحدث لـ «القدس العربي» ، ان جميع هذه الدول تربطها مواقف عدائية لتركية اذ قامت الإمارات العربية المتحدة بفتح سفارتها بدمشق أولاً لتقول للعالم ان التطورات التي تجري على الأرض تؤكد عودة الدولة، مما سيساعد الدول العربية لاتخاذ خطوة جريئة بإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية.
وتوقع «سلو» عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وحضور القمة، واضاف «هناك علاقة كبيرة بين عودة مقعد الجامعة العربية للنظام السوري واعادة الإعمار لان الدول العربية ستكون المانح الرئيسي في ظل موقف اوروبي – أمريكي مخالف للتوجهات الروسية. اذ وضع الاتحاد الأوربي شروطاً عدة للمشاركة في اعادة الإعمار اولها ان تكون هناك عملية سياسية جادة في سوريا وثانيها هو رعاية الشعب السوري في داخل سوريا وخارجها. وهذان الشرطان لا يمكن تحقيقهما حالياً وهذا يعني عدم مشاركة الاتحاد الأوروبي او معظم الدول الأوروبية بذلك.
وفي المقابل معظم دول الخليج لها مواقف عدائية من تركيا حليفة قطر، حيث تسعى هذه الدول حسب المعارض السوري جميل سلو إلى حرمان انقرة من لعب لأي دور في اعادة الإعمار مستقبلاً، مؤكداً «ان هذه الدول ستتخذ موقفاً واحداً في القمة المقبلة وهو طلب من مجلس الأمن اعتبار تركيا دولة احتلال انتهكت سيادة دولة عربية عضواً في الجامعة العربية»، مما سيضعف الدور الذي تلعبه تركيا مستقبلاً.
Social Links: