من أوراق قديمة نسبيّاً 2-3

 من أوراق قديمة نسبيّاً 2-3

حازم صاغية – نقلا عن صفحته الشخصية على فيسبوك:

نتابع في الرافد نشر الجزء الثاني من مقال الأستاذ حازم صاغية المهم حول صحيفة النهار اللبنانية وتاريخ عائلة تويني والصحافة الحرة في لبنان للاطلاع على تجربة غنية في محتواها وكانت مدرسة تخرج منه الكثير من الكتاب الكبار الذين نراهم اليوم
… عن “النهار” وآل تويني

لكنّ «النهار» ليست هذا فحسب. ففي شبابه انتمى غسّان تويني إلى الحزب السوريّ القوميّ، وتبادل بضع رسائل مع أنطون سعادة قبل أن يطرده الأخير الذي لم يحتمل أدنى «انحراف» عن جادة صوابه. وتردّد، بعد ذاك، أنّه عاد إلى الحزب ليطرده ثانية جورج عبدالمسيح، تلميذ «الزعيم» ومقلّده.

كائناً ما كان الحال، احتفظ تويني «الليبراليّ» بإعجاب منقطع النظير بـ «الزعيم»، وبقي بعض القوميّين السوريّين أقرب أصدقائه إليه. فوق هذا، ظلّ في لحظاته الحميمة أسير تثبّتٍ لا يملّ على أخبار ووقائع أصابها الصدأ عن عبد المسيح وسعيد تقيّ الدين وغسّان جديد…

هذه العلاقة عرفت ذروتها خلال 1957 – 1962، أي ما بين التحالف القوميّ السوريّ – الشمعونيّ، الذي أدرج الطرف الأوّل في متن «الانعزاليّة المسيحيّة»، وسحق فؤاد شهاب محاولةً انقلابيّة مسرحيّة نفّذها القوميّون. أمّا الجامع يومذاك فكان العداء للطغيان الناصريّ الذي يقترب من سوريّة ويُرعب، في من يُرعب، مسيحيّي لبنان.

القوميّون الذين اغتالوا الضابط عدنان المالكي في دمشق تعرّضوا لعمليّة استئصال لا رحمة فيها، ألجأت بعض رفقائهم إلى بيروت الشمعونيّة. وحين اندلعت مجابهة 1958 وجدوا أنفسهم، إلى جانب الكتائب، يقاتلون في الخندق نفسه.

في هذا السياق، بدا التوكيد القوميّ على العلمانيّة ملائماً لـ «النهار». فهو يميّزها عن الطائفيّة الصريحة للأحزاب الطائفيّة المسيحيّة، أي المارونيّة، لا سيّما الكتائب التي ظلّت طويلاً تستنفر في تويني أرثوذكسيّته وما استبقاه من قوميّته السوريّة. لكنّ هذه العلمانيّة تُبقي «النهار» في معسكر مسيحيّ عريض يناهض عبدالناصر الذي لاح حفيداً للسلطان سليم الأوّل، آتياً هذه المرّة، لا من الشمال الشرقيّ بل من الجنوب الغربيّ. أبعد من ذلك، أنّ الحزب القوميّ، «العلمانيّ»، أنشط الأدوات التنظيميّة لطائفة الروم الأرثوذكس، والأشدّ استقبالاً لشبّانهم وناشطيهم الباحثين عن مكان لهم على هامش الثنائيّة المارونيّة – السنّيّة. يومذاك درج القول الساخر: العلمانيّة اسم حركيّ للأرثوذكسيّة. علمانيّة «النهار» كانت مثلاً حياً على ذلك.

ومبكراً ظهرت آثار هذا التقاطع في الحيّز الثقافيّ، لا السياسيّ فحسب. ففي 1957 تشكّلت في بيروت مجموعة «شعر» التي كان أشدَّها ديناميّةً مثقّفون سوريّون ولبنانيّون، مسيحيّون وعلويّون، قوميّون سوريّون ونهاريّون. هؤلاء عارضوا القَدامة الشعريّة بقدر معارضتهم الدعوات العروبيّة والوحدويّة التي تهبّ من دمشق والقاهرة وتجد حاضنها البيروتيّ في مجلّة «الآداب».

لكنّ محنة القوميّين في لبنان، عام 1962، والتي أفقدت الطائفة الأرثوذكسيّة حزبها الأوّل، ربّما شكّلت بدايات ما بات يُعرف لاحقاً بـ «الطائفة المسيحيّة» العابرة للمذاهب. فالمسيحيّون غير الموارنة بدأوا يلتحقون التحاقاً مباشراً بالأحزاب والزعامات المارونيّة، وهي وجهة عزّزتها حرب السنتين في السبعينات قبل أن تكرّسها حرب الجبل في الثمانينات. وبدورها، صارت «النهار» الصوت الأبرز لمعارضة يقودها كميل شمعون، الزعيم المحبّذ دائماً عند تويني، وريمون إدّه، المحبّب دائماً لديه. تلك المعارضة وجدت تتويجها في انتخابات 1968، حين نجح المذكوران في جذب بيار الجميّل إليهما وتشكيل «الحلف الثلاثيّ» الذي أطاح بالشهابيّة.

أمّا القوميّون الذين كانوا لا يزالون في السجون، فتولّت «النهار» نشر مقالاتهم ذات الطابع الخطابيّ، والتي حملت أسماء مستعارة كسبع بولس حميدان لأسد الأشقر، وقيس الجردي لإنعام رعد، وعبد الله فرح لعبد الله سعادة. بهذا دفعت آخر ديونها لأنطون سعادة وتابعيه الذين باتوا مُحرِجين لها. فهؤلاء الذين دخلوا السجن «يمينيّين» وحلفاء للهاشميّين، ما لبثوا، بعد تسوية عقدوها مع الأجهزة الشهابيّة، أن خرجوا منه «يساريّين». وحين تراخت قبضة الدولة الشهابيّة بعد حين، احتلّ عندهم ياسر عرفات وحافظ الأسد الموقع الذي كان يحتلّه كميل شمعون والملك حسين. أمّا «النهار» التي اعتصمت بلبنانيّتها الصارمة، وكانت الأرثوذكسيّة بدأت تندمج في مسيحيّة عريضة، فانقطع بينها وبينهم حبل السرّة. مع هذا، ظلّت صفحات الجريدة تستقبل أسماء قوميّة، وتتّسع لمحرّرين قوميّين، بنسبة تفوق كثيراً نسبة باقي الأحزاب فيها، وبقي غسّان تويني يؤكّد أنّ الفرق بين الحزب القوميّ في زمن أنطون سعادة وبينه اليوم كالفرق «بين الأرض والسماء».

الأرثوذكسيّة العميقة وهوس السياسة الانتخابيّة وتأثير القوميّة السوريّة أنشأت تكويناً غريباً وبالغ التفاوت. فهي جعلت وظائف «النهار» مزدوجة بقدر ما جعلت وطنيّتها اللبنانيّة المؤكّدة ذات نصل مثلوم.

في سياستها الوطنيّة العامّة، مثّلت «النهار» دائماً حصناً من الحصون القليلة، والمتضائلة، التي تدافع عن لبنان. فهي لم تهرق ماء وجهها، لا أمام «بندقيّة المقاومة» في الستينات والسبعينات، ولا أمام «بطل تشرين» في السبعينات والثمانينات والعقود التي تلت. صحيح أنّها، في مواجهة غابة السلاح وضمور القانون، اعتمدت التقيّة أحياناً كثيرة، وغالباً ما عوّلت على الفولكلور والنوستالجيا اللبنانيّين فبدت كمن يطلب الحماية من الجثث. لكنّ خطف ميشال أبو جودة إلى سوريّة في 1973، وهو أبرز معلّقيها وأحد رئيسَي تحريرها، والذي نمّ مبكراً عن خوف النظام السوريّ من الحرّيّات الإعلاميّة في جواره، كان اعترافاً بأنّها المنبر الأكثر تجسيداً لتلك الحرّيّات وللوطنيّة التي تنهض عليها.

بيد أنّ الوطنيّة تلك، وعملاً بتقديس «النهار» للسياسة اللبنانيّة المعمول بها وبأمْثلَتها، ظلّت ذات مضمون رجعيّ. فهي ديموقراطيّة في مواجهة التجاوز الشهابيّ على الديموقراطيّة المدعوم بالتوسّعيّة الناصريّة، لكنّها حليفة قوى غير ديموقراطيّة تعارض الميل الشهابيّ إلى بناء دولة واحدة. وهي علمانيّة، شريطة أن لا تتّجه شفرة علمانيّتها صوب رجال الدين، لا سيّما الأرثوذكس منهم. وحينما انفجرت الحرب اليوغوسلافيّة في التسعينات، شكّلت «النهار» جبهة فرعيّة للصرب الأرثوذكس، ودانت أميركا التي تدعم المسلمين، مستعيدةً العدّة إيّاها عن مسيحيّي الشرق والمطامح الإمبرياليّة لليانكي. و«النهار» ليبراليّة، إلاّ أنّها في هذا، كما في حالة ريمون إدّه، أغراها الدفاع عن حكم الإعدام وعن السرّيّة المصرفيّة، ونطق بلسانها الاقتصاديّ مروان اسكندر، أبرز الاقتصاديّين النيو-ليبراليّين في لبنان. حتّى الوطنيّة اللبنانيّة نفسها كانت عندها من طينة قوميّة لا تتورّع عن معاملة اللبنانيّة كمرتبة أكثر منها جنسيّةً، ولا تخفي روابطها الوثيقة مع «الإمبراطوريّة» اللبنانيّة في المَهاجر ومع «النوابغ» الذين لا يكفّون عن التوالد هناك. وربّما كان ذا دلالة رمزيّة بعيدة على هذا الهوى القوميّ في الوطنيّة اللبنانيّة أنّ لويس الحاج، الذي علّم غسّان تويني الكتابة، وكان الحِرَفيّ الرفيع الذي درّب أجيالاً من النهاريّين، كان مترجم «كفاحي» إلى العربيّة. حينذاك، في 1963، كان حزب البعث يصل، للمرّة الأولى، إلى السلطة في بغداد. هكذا فتحت سوق العراق الضخمة ذراعيها لكتاب هتلر الذي أعطى كتب ميشيل عفلق بعض الأنياب التي تفتقر إليها.

ولم تقتصر اللبنانيّة النهاريّة على المواقف. الحياة الداخليّة للجريدة صُنعت أيضاً على مثالها. ففي مقابل الفرد الذي تحمله الكفاءة إلى حيث هو، هناك ثلاثة تجيء بهم الزبائنية العائلية أو الطائفية. وليس من غير معنى نشوء ما يسمّيه بعض النهاريين «قبائل النهار». فإلى غسان، تولى إخوته، سامي وفؤاد ووليد، الإدارة الماليّة وشركة التوزيع والمطابع، ثمّ تولى أبناؤهم هذه المسؤوليات. وإلى لويس الحاج، عمل في الجريدة نجلاه أنسي وعدلي، كما عمل جهاد أبو جودة، شقيق ميشال. وبعدما تولّى لويس الحاج وميشال أبو جودة رئاسة التحرير، عُهد بها، في 1992، إلى أنسي لويس الحاج، قبل أن تنتقل، في 2000، إلى جبران غسّان تويني، ومن بعده ابنته نايلة. أما الوزير الحاليّ مروان حمادة، شقيق زوجة غسان، الشاعرة ناديا تويني، فهو رئيس مجلس إدارة «النهار» ثم عضوٌ فيه.

ولأنّ غسّان يريد نفسه وجهاً سياسيّاً، فهذا ما أسّس أعرافاً في الجريدة: فهو حين يخوض انتخابات، كما في 1972، تُعبّأ «النهار» والعاملون فيها لحملته. وهو حين يُجري مقابلة مع سياسي، تُنشر صورته مع مُحاوره، ما يُحرم منه أيّ صحافيّ آخر في الجريدة يقابل سياسيّاً.

وفي «النهار» استعرضت المراتبيّة والطقوس السلكيّة نفسها بتوسّع. هكذا، تبدّى مراسلو المناطق الأبعد شغيلة عند خواجات أبناء المدينة. وكان لـ «سيّدات المجتمع»، أي بنات السياسيين وزوجاتهم، موقع محفوظ تصدرته الافتتاحيّات الغاضبة لعلياء رياض الصلح.

ودائماً مثّل الملبس والمظهر الخارجيّ عنصر تعيين حادّ للمكانة. فربطات العنق، مثلاً، تُشاهَد في «النهار» كما تُشاهد في البنوك والشركات، لا في الصحف. أما البيئة الجغرافيّة الحاضنة للملابس والعلاقات فلا تتكتّم على هويّة طبقيّة صارخة: ذاك أنّ «النهار» لا تقيم إلاّ في الشوارع والمناطق ذات الأمتار المربعة الأعلى سعراً، كالحمرا والوسط التجاريّ، فيما يقيم تحتها مطعم، قد يكون البرمكي أو الدي تي، من أغلى مطاعم بيروت. والحال أنّ المطعم والفندق، فضلاً عن الملبس، يحتلاّن موقعاً معتبراً في «التقاليد» النهاريّة، مع ما يرتّبه ذلك من إنفاق، عُرف به غسّان ونجله جبران، يشبه بذخ رجال الأعمال أو ملاّكي الأراضي أكثر مما يشبه إنفاق الصحافيّين.

ولئن اتّسعت «النهار» لصحافيّات كثيرات، عملن محقّقات ومخبرات ومعلّقات في الصفحة الثقافيّة أو صفحة الرأي، فإن أيّاً منهن لم تحتلّ موقعاً قياديّاً أو تقريريّاً في الجريدة التي شاركت سائر زميلاتها في طغيان الطابع الذكوريّ. أمّا نايلة تويني وأختها ميشيل فتندرجان في خانة أخرى وتخضعان لحساب آخر.

إلى ذلك، ظلّ الشكل سيّد «النهار». فهي اعتنت بالمهنة، بمعناها التقنيّ، على نحو غير مسبوق أو ملحوق في الصحافة اللبنانيّة، بل العربيّة. وقد عرفت «معلّمين» للصنعة وشيوخ حرفة يدرّبون ويمهّنون الشبّان والشابّات، كان أبرزهم فرنسوا عقل، سليل عائلة الصحافيّين التي امتلكت مبكراً صحيفة «البيرق»، وإميل داغر، فضلاً عن لويس الحاج. بيد أن كثيراً من الجهد صُرف على رقابة لغويّة ميّتة دفعت شوقي أبي شقرا، حين تسلّم مسؤولية الصفحة الثقافيّة، إلى «تصحيح» نصّ للجاحظ فاتَهُ أنّ كاتبه كبير العباسيّين.

وهذا الولع بالشكليّ، كامتداد تعبيريّ لشكليّة التصوّر النهاريّ، مرفقاً بالأمانة للمهنة، إنّما لبّى همّين نهاريّين: فهو أعلن الانتساب إلى تقليد في الكتابة مصدره «النهضة» اللبنانيّة والمسيحيّة في جبل لبنان، كما فرز الكتابة عما روّجه طغيان الصحافة المصريّة في الصياغة والخبر. وهذان، تعريفاً، همّان أيديولوجيّان، غير أنّهما يجعلان اللغة، وهي رحبة دائماً، سجناً تحرسه قواعد مقدّسة وعين بوليسيّة.

ومدرسة «النهار» تبقى أكثر تأدّباً ممّا يستدعي النقد. فهي، مثلاً، وعملاً بأبرشيّة قرويّة «قصيرة اللسان»، درّجت عدم انتقاد صحيفة لصحيفة زميلة، ووسّعت نطاق «الشخصيّ» الذي لا يجوز تناوله، فشمل ثروات وتصرّفات مصدرها عامّ وسياسيّ يتعدّى «الشخصيّ». أما المقدّس فينبغي احترامه دائماً، واستعارة مصطلحات المدارس الدينيّة في وصفه وعرضه.

بيد أنّ الشكل يذهب أبعد: فالمقالات الذكيّة والرشيقة لميشال أبو جودة لم يحالفها تعقيد الواقع دائماً، وكان يتبدّى أحياناً أنّ عبارتها القصيرة تبسّط المعقّد وتقصّره. وعموماً، درجت كتابات كثيرة في «النهار»، بسبب جاذبيّة لبنان وريفه عليها، على محاكمة العالم مدفوعة بتلك الجاذبيّة التي تريّفه. هكذا، مثلاً، تنشطر «مواقف واشنطن» «رِجلاً في البور ورِجلاً في الفلاحة»، أو توصف سياسات دوليّة متقلّبة بـ «الهبّة الساخنة والهبّة الباردة». وإذ تناولت ملفّات «النهار» القضايا الدوليّة للستينات، فقد جاء معظمها، خصوصاً ما يتناول الحركات اليساريّة وتفاصيلها، أقرب إلى المشاهدة البرّانية التي لا تربطها إلفة بما تتناول. ولئن تميّز كاريكاتور بيار صادق بنظافة الصورة وما يقارب المطابقة الفوتوغرافيّة بينها وبين صاحبها، فقد اكتفت الميزة المتقادمة هذه بعالم السياسيّين اللبنانيّين وما يدور فيه، حائلة دون الانتباه إلى قوى ومشاكل أخرى. ومن خلال الطربوش أو اللبّادة أو المشّاية أو اللهجة المناطقيّة – الطائفيّة، نُمّط السياسيّون ونُمّطت طوائفهم ومناطقهم على نحو لا يتغيّر.

أمّا الجهد اللامع الذي بذله سمير نصري لتعليمنا السينما، فغلب فيه التعريف غلبة شبه مطلقة على التحليل. لقد كتب سمير نصوصاً جميلة وحيّة على هوامش الأفلام، إلا أنّه نادراً ما غاص في الأفلام ذاتها، وأندر من ذلك إدراجها في سياقات اجتماعيّة أو بسيكولوجيّة أعرض.

ولم تبرأ صفحة الثقافة النهاريّة من آثار اللبنانيّة المعهودة. هكذا استوطنتها المناسبات الاجتماعيّة ولياقاتها حيال سيّدات الصالون وأبناء الذوات ورجال الدين حين يكتبون أو يصدرون كتباً. والأمر ذاته يصحّ في المناسبات والمهرجانات السياحيّة، أو الأدب الحِرَفيّ والزجليّ الذي لا تزال تنتجه القرية في «متصرفيّة» جبل لبنان. وكثيراً ما نابت الأوصاف البسيطة والمعاني الإيجابيّة التي يُظنّ أنّها ذات حمولة إبداعيّة (حلو، مشرقط، لمعة…) عن تعقيد الموصوف. أما البطل المضادّ، مثله مثل البشع والمقرف والكسول والمريض والمجنون، فكادت الثقافة النهاريّة تنفيهم من فردوسها.

وربّما كان «الملحق»، الذي توقّف إصداره منتصف السبعينات، درّة تاج «النهار» المثقّفة. فهو اتّسع لأصوات شابّة ووفّر لوافدين جدد منبراً لم يتوفّر قبلاً. لكنّ مقالات رئيس تحريره أنسي الحاج التي عُرفت بعنوانها الجامع «كلمات»، وكانت أكثر ما يذكّر بـ «الملحق» ويتماهى معه، زوّدت «النهار» صوتاً اعتراضيّاً مرتفعاً كان يعوزها في الستينات، عقد التمرّد الأوروبيّ والشبابيّ، والثورة الفلسطينيّة عندنا. لكنّ الغضب الفائض الذي عبّرت عنه تلك المقالات، والذي استعير بعض مصطلحاته من القاموس القلق والمتوتّر لأفكار أوروبا ما بين الحربين، لم يُفهم له سبب أو علّة. أمّا «الثورة» المنشودة التي أريد لها أن تنشب فلم يُعرف الغرض منها، ولا أشيرَ، ولو تلميحاً، إلى طبيعتها وتمثيلها وقواها. وإلى ذلك، دافعت «كلمات» عن مواقف رجعيّة كان من أبرزها الموقف من «استرجال» النساء ودخولهنّ سوق العمل ممّا طرحه التطوّر الاجتماعيّ اللبنانيّ يومذاك. لقد ردّ أنسي الحاج على تلك المسائل برومنسيّة الحبيب المعذّب والغاضب، وحين شاء أن يدلّنا على المرأة التي يعتبرها نموذجاً للنساء، عثر على صونيا فرنجيّة، كريمة الرئيس سليمان فرنجيّة وزوجة النائب عبدالله الراسي.

  • Social Links:

Leave a Reply