قائمة الأسئلة الكبرى: الإصلاح إرادة الحياة والتقدم

قائمة الأسئلة الكبرى: الإصلاح إرادة الحياة والتقدم

تنشر الرافد مقتطفات من البحث الاقتصادي المهم الذي قدمه الدكتور عارف دليلة في عام 2000 بعنوان ” القطاع العام في سورية … من الحماية إلى المنافسة”، ورغم مرور كل تلك السنوات على الدراسة إلا أن ما يوجد فيها لم يتأثر بمرور الزمن، ونحن اليوم نشاهد ما فعلته سياسات نظام الأسد في الدولة السورية ومؤسساتها من تدمير ممنهج لصالح ثراءها الشخصي مما أدى إلى انفجار الثورة السورية.

د. عارف دليلة

وإلى من أسمعهم يتساءلون: كنا نتوقع أن تحدثنا في محاضرة عن “القطاع العام من الحماية إلى المنافسة” عن آثار الحماية على القطاع العام1، وما هو المطلوب عمله لترقية عمل القطاع العام إلى المستوى التنافسي داخلياً وخارجياً، وما هي المعوقات التي تعترض ذلك وكيف يمكن إزالتها وتجاوزها؟.

إنني لا أتجاهل أن هذه الأسئلة تشكل جوهر الموضوع. ولكنني بدلاً من التغلغل في وقائع العمل اليومية، وفي أرشيف المشاكل المتراكم الهائل، والتي كانت على مدى عشرات الندوات والمؤتمرات خلال السنوات السابقة موضوع تفصيل وتمحيص حتى أصبحت على كل شفة ولسان، بدلاً من ذلك كله تناولت في المحاضرة ما هو أخطر وأكثر جوهرية مما يهم القطاع العام، واختتم المحاضرة بقائمة من الأسئلة التي تستوجب الاهتمام بالإجابة عنها، وتحرض وتوجه التفكير نحو الإشكالات المستوجبة الحل، والتي أعتقد أ،ه بإيجاد الحلول لها. يمكن، ليس فقط للقطاع العام، بل وللاقتصاد الوطني، الخروج إلى السوق العالمية. بقدرة تنافسية كاملة.

والأسئلة  المطلوب من كل من يلوذ بالقطاع العام. وبالاقتصاد الوطني عموماً، بشكل مباشر أو غير مباشر، قريب أو بعيد، التفكير فيها والإجابة عنها هي:

1- هل واقع القطاع العام الراهن ومستوى أدائه، على المستوى العام والقطاعي وعلى مستوى المشروع، مقبول أم مرفوض؟

2- هل القطاع العام بواقعه الراهن بشكل رصيداً لحرية الإرادة والصمود والتحرير وقاعدة للاستقلال وللتنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي ومواجهة التحديات أم يشكل عبئاً ينتقص من إمكانات تحقيق هذه الغايات؟.

3- هل القطاع العام يشكل قاعدة مواتية للتقدم العلمي – التكنولوجي، وحاضنة جاذبة للكفاءات والخبرات والتحديثات التقانية الإدارية والإنتاجية، ينميها ويحافظ عليها، أم مرتعاً للعطالة والركود والتخلف وطارداً للكفاءات؟.

4- هل يحقق القطاع العام تراكماً رأسمالياً حقيقياً يساهم في رفع معدل النمو وتطوير البنية الاقتصادية والقطاعية تقدمياً وزيادة إنتاجية العمل وتوسيع فرص العمل، وتخفيض البطالة بدون بطالة مقنعة، وإغناء العاملين فيه حاضراً ومستقبلاً عن التطلع إلى أي فرص أو مشاغل أخرى تتعارض مع مصالح عملهم ومؤسساتهم العامة ومصالح الدولة والاقتصاد الوطني ككل؟؟.

5- هل يرفد القطاع العام الميزانية العامة بفوائض حقيقية متزايدة، وليس بما يستنزف منه من سيولات تحمل ليس فقط القيمة المضافة لديه بل أيضاً قيمة أصوله الإنتاجية وقيمة قوة عمل العاملين لديه؟.

6- هل يستطيع القطاع العام استكمال الترابطات الخلفية والأمامية لديه والترابطات الإنتاجية مع القطاع الخاص بما يرفع من فاعلية الاقتصاد الوطني ويزيد من الاعتماد على الذات ويخفض التبعية؟.

7- هل يستطيع القطاع العام تطوير وظيفة التسويق لديه للتخلص من مخزوناته ولمواكبة الطلب الداخلي والخارجي واقتناص الفرص والمزايا التي تتوفر في الأسواق الدولية في عمليات الشراء والبيع ونقل التقانة أم يبقى منقطعاً عن السوق والطب والمستهلك في الداخل والخارج ويفرض عليه الأخذ بأسوأ الشروط؟.

8- هل يستطيع القطاع العام حماية حدوده من غزوات المتنفذين على إدارته وأمواله ومنتجاته ومن فساد وسوء تصرف المنحرفين وغير المخلصين والمتمترسين في مختلف مفاصله وحلقاته، والذي يشكل وجودهم أكبر عملية قمع للمخلصين والمنتجين وأصحاب الكفاءات، وكيف يمكن أن يمتلك آليات داخلية للفرز والاختيار الصحيح والثواب والعقاب، وإيقاف التطاول والنهب والهدر والتبذير الذي يمارس عليه من داخله وخارجه، إذا لم يكن العاملون فيه هم قوة الحماية الأولى لحدوده؟ وكيف يمكن استنهاض العاملين لأداء هذا الدور وأغلبيتهم العظمى من الأميين وأشباه الأميين والمستلبين حقوقهم مادياً ومعنوياً؟.

9- هل يستطيع القطاع العام الارتقاء إلى مستوى الجودة العالمي والنزول بالتكلفة إلى ما دون المستوى العالمي، ويعمل على أساس محاسبة التكاليف المعيارية، وتتأمن له الرقابة الإيجابية الفعالة التي تشجع على بلوغ هذه المستويات وتحسينها باستمرار، دونما إحباط؟.

10-    هل يستطيع القطاع العام تجديد شباب طاقاته البشرية، بمعنى إطلاق قدراتهم على التجديد والتحديث والتطوير والابتكار، وكيف سيحل مشكلة إعادة التأهيل والتدريب المستمر لعدم الوقوع في الركود والجمود والتأخر؟.

11-    هل سيتاح للقطاع العام حل مشكلة التمويل الذاتي المستمر وتسوية التشابكات المالية والتخلص من أعباء الديون المتراكمة؟.

12-    هل يستطيع القطاع العام تطبيع عملية التسعير لديه بتحريره من التسعير الإداري المنخفض أو المرتفع بشكل مصطنع لإقامة عملية التسعير على أسس اقتصادية علمية تصلح أساساً لتطبيق الإدارة بالأهداف والتفاعل مع الأسعار العالمية؟.

13-    كيف سيتأهل القطاع العام لمواجهة استحقاقات فتح الحدود الاقتصادية نتيجة تطبيق المناطق التجارية الحرة مع لبنان وباقي الدول العربية والاتحاد الأوربي والاقتصاد العالمي ومواجهة تحديات الشركات متعددة الجنسيات والتي تغلغلت على نطاق واسع في الاقتصادات العربية، والاستعداد لعصر التجارة الإلكترونية ولاستحقاقات اتفاقية حماية الملكية الفكرية وتحرير الخدمات المالية وتطبيق المعايير البيئية والاجتماعية…الخ؟.

14-    كيف ومتى ومن سيصدر التشريعات والأنظمة الضرورية لمساعدة القطاع العام على حل مشكلاته والارتقاء لأداء جميع المهام المطلوبة؟.

15-    وأخيراً: ما هي التغيرات المطلوبة في المناخ العام السياسي والإداري والتشريعي وفي السياسات الاقتصادية الكلية ليستطيع القطاع العام التطور بما يسمح له بتبرير وجوده، والنهوض بمسؤولياته ونذكر من بين هذه السياسات وأنظمة العمل، على سبيل المثال، ما يلي:

–   سياسة التجارة الخارجية (الاستيراد والتصدير والأنظمة الجمركية…الخ).

–   سياسة القطع وسياسات التمويل والادخار والتسليف والاستثمار.

–   سياسة الأجور والحوافز.

–   أنظمة المناقصات والعقود.

–   سياسة التسويق الداخلي والخارجي.

–   سياسة التربية والتعليم والبحث العملي والتأهيل والتدريب المستمر.

–   السياسة المالية والضريبة.

–   السياسات والنظم الإدارية والرقابية.

–   أنظمة النقل والسحن والتأمين.

–   سياسة مكافحة لإغراق الخارجي.

–   سياسة التنشيط الاقتصادي لتجاوز الركود الخارجي والبطالة.

قد يرى البعض أن طرح القضايا والأسئلة الكبرى والشائكة أعلاه واعتبارها شروطاً أو من الشروط الضرورية لتمكين القطاع العام الانتقال من الحماية إلى المنافسة بمثابة التيئيس من إمكانية استنهاض القطاع العام. انطلاقاُ من قناعة مستقرة لدى الكثيرين بأن تحقيق الإصلاحات التي تطرحها هذه الأسئلة يقع في خانة المستحيل، إلا إنني أقول إن هذه الإصلاحات أصبحت مسألة حياة ليس فقط للقطاع العام، بل للاقتصاد الوطني بجميع قطاعاته وللدولة وللشعب ككل وإنها مهما صعبت وتأخرت، فستبقى تطرح نفسها بإلحاح متزايد يجعل تجاهلها أو الهروب منها هو المستحيل بعينه.

 

  • Social Links:

Leave a Reply