صفوان موشلي
يحتفل السوريون بالجلاء في السابع عشر من نيسان ، وهو يوم جلا فيه آخر جندي فرنسي عن الأرض السورية بعد احتلال بغيض امتد لأكثر من ربع قرن وانتهى عام 1946، كان وقع الاحتلال الفرنسي ثقيلا وقاسيا على السوريين، الذين قاوموه من اليوم الاول صونا لحريتهم ودفاعا عن كرامتهم ، فقد دشن يوسف اسماعيل باشا العظمة كوكبة شهداء الحرية في 24 – تموز 1920فدخل الاستعمار الفرنسي على جثامين الشهداء وهي كوكبة تعاظمت مع تصاعد المقاومة طيلة فترة الاحتلال،بالرغم من أن الاستعمار الفرنسي باشر جملة من الإجراءات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، اتسمت بالقسوة الشديدة، لخنق أي تمرد لدى الشعب السوري يمهد للثورة والاستقلال ، الا ان تضحيات الشعب السوري ادخلته من اليوم الاول في حسابات حرجة للربح والخسارة ،فلم يستطع ان يحافظ على ارباحه رغم امتصاص خيرات البلاد، ونهب ثرواتها،فاضطر تحت ضغط الثورات المتلاحقة من ثورة هنانو وابوخنجر،عام 1922 الى الثورة الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان باشا الاطرش والتي شملت كامل الارض السورية، حلب والغوطة والساحل وجبل العرب ،اذ تحولت كل قرية ومدينة سورية الى مركز عصيان ثوري تطالب بالاستقلال استمرت دون كلل أو ملل حتى 1927 ، حيث رضخ الاستعمار لتشكيل دستور فاوضت على كتابته لجنة قانونين برئاسة ابراهيم هنانو انجز عام 1928 وافضى لانتخاب اول جمعية تأسيسية رفضتها فرنسا فعادت الانتفاضة وعاد العصيان حتى تم الاعتراف بها عام 1930 ، وبعد تحسن الوضع الاقليمي اثر مكاسب الشعب العراقي على حساب الانكليز طالب السوريون باتفاقية تضع حد للانتداب وتلزمه بالحفاظ على وحدة الاراضي السورية فكانت اتفاقية 1936 التي انجزت بعد ستتة اشهر من المفاوضات وافضت الى تأسيس أول برلمان منتخب فازت به الكتلة الوطنية بالاغلبية وتم تكنيس عملاء الاحتلال منه عكس ما توقغه الفرنسين .
لقد فرضت تضحيات ونضال الشعب السوري بكل قواه السياسية والمجتمعية وبوحدته الوطنية ورفضه لألاعيب المستعمر الفرنسي ومحاولاته احداث خرق في بنية المجتمع السوري وتقسيمه على أساس طائفي أو عرقي على المحتل الفرنسي أن يعترف باستقلال سوريا ولبنان والذي جاء بوعد من الجنرال ديغول عام 1942، قبيل الانتصار على النازية ، الامر الذي افضى لانتخابات عامة فازت بها الكتلة الوطنية التي انتخبت شكري القوتلي رئيسا للجمهورية السورية وسعد الله الجابري رئيسا للوزراء ،ودخلت الحكومة السورية المنتخبة بمفاوضات شاقة ،افضت الى الاستقلال الناجز في 17 نيسان من عام 1946 .
لقد دعا ابراهيم هنانوا السورين عام 1928 للتمسك بالنظام الديمقراطي البرلماني بصفته تعويضا عما خسرته سورية جراء الاستعمار فمع الديمقراطية سيؤسس الاستقلال وطنا حديثا ،مؤهلا للتنمية التي ستفضي الى اسعاد المواطنين السوريين ،وبالفعل كانت معدلات النمو في سورية لعشر سنوات بعد الاستقلال تفوق نظيرتها في فرنسا .لقد اجهض العسكر “المدعومين من المستعمر” حلم هنانو بالتنمية المستندة على الديمقراطية ولعل أسوء الانقلابيين الذين دمروا حلم سورية بالتنمية ،الاسد الاب الذي عمل بشكل ممنهج على هدر امكانات سورية ونموها ليس فقط بالتنكر للديمقراطية والمجادلة بانها لاتناسب السوريين ،بل ولتأسيسه نظام اقتصادي مافيوي امني قائم على التمييز الدنيء ،حطم البنية الاجتماعية للنمو الاقتصادي ،ومهد لهدر استقلال الوطن ،عندما قام بتوريثه لابنه المأفون ،وكأنه مزرعة حيوانات ضالة ،والذي لم يتردد عند اول استحقاق طالبت به الجماهير الواعية لمستقبلها بفضل عولمة المعلومة والتعليم وما أفضت اليه من حريات يصعب على النظم الشمولية كبحها اوالوقوف في وجهها لانها سمة العصرنة ،عند أول استحقاق عجز هذا المريض عن استيعابه ، سلم الوطن بما فيه لقمة سائغة لأسوء استعمارين عرفتهم البشرية ذك الذي يقوده الولي السفيه والاخر الذي يرأسه قيصر روسيا الذي يخفي تخلفه الاجتماعي والسياسي برؤس نوويه ورثها هو الاخر من عهد بائد .
لقد هدر الاسد الصغير افراح السورين بالاستقلال الذي استحقه الاجداد بجدارة نضالهم ضد المستعمر. فحناجرهم التي اعتادت ان تهتفت للاستقلال احتقنت بغبار المنازل التي دمرتها البراميل الأسدية الغبية، واختنقت بغاز السارين الذي وزع مئات المرات على اطفالنا لتخرج أصوتهم من كرنفالات أفراح الاستقلال، لكن السورين في كل قرية ومدينة وتحت مختلف أنواع الاحتلالات التي استجلبها الطاغية، اصبحوا على يقين أن استقلالهم وبناء جمهوريتهم الجديدة، لن يكون ممكناً قبل التخلص من عدو الاستقلال الاول والمتواطيء مع جميع المحتلين لشعبنا لقاء استمراره على خازوق السلطة. فكما أن الاستقلال عن الفرنسي جاء نتيجة تضحيات الشعب السوري ونتيجة وحدته الوطنية ووحدة قواه السياسية، فإن استقلال اليوم لن يتحقق إلا بعد توحيد القوى الوطنية الديمقراطية السورية، وحين تحققها فإن استقلالنا سيكون على بعد خطوة واحدة من الاطاحة بالنظام الشمولي القبيح.
Social Links: