أربعة أعوام على اعتصام حمص التاريخي

أربعة أعوام على اعتصام حمص التاريخي

محمود عيسى

(ننوه في الرافد أن المقال أعلاه كان قد نشر في الذكرى الرابعة لاعتصام الساعة الجديدة في حمص، ونحن هنا نعيد استذكار الاعتصام الخالد في حمص )

بضعة عساكر وبعض الضباط قرب مدرسة المثنى مقابل مركز باب التدريب الصحي ومن جهة باب السباع تحتشد مجموعات من الشباب الثائر في ساحة المريجة و يبدو شارع باب الدريب مقفراً إلا من بعض المارة . كان كل شيء يوحي بأن 17-4-2011 الذكرى الخامسة والستين للجلاء مختلفة عما سبقها. ساعة مضت وغطى صوت الرصاص و دوي الانفجارات كل ما عداه و انتشرت (اللجان الشعبية ) و تقطعت أوصال مدينتنا بالحواجز الأهلية وسط غياب للأجهزة الأمنية و ساد جو من الفوضى و الهستيريا غير المسبوقة في تاريخ مدينتا و حياتنا.

توقفت حركة السير . صعدت في باص النقل الداخلي خط-الجامعة- البولمان. كنا راكبين و السائق نتبادل النظرات و الخوف, نزلت على موقف المشفى الوطني وسرت بجانب جامع خالد بن الوليد شرقا اسمع خطواتي و دقات قلبي مرورا بوادي السايح حيث كان الجرحى ينقلون إلى مشفى القدس وعلى باب تدمر يقف بعض الشباب يغلقون الشارع الواصل بين باب تدمر و جامع كعب الأحبار تقدم مني شابان وطلبا هويتي الشخصية في نفس اللحظة انكسر زجاج موقف الباص وانكسر قلبي . كان العشرات يحتشدون شرقا يفصل بينهما مشفى نزيه إبراهيم .

قلت للشابين ذلك البيت الذي يتربع على سور حمص القديمة هو لآل الهامش وتلك ورشة رفيقنا بشار الهامش وهذه محلات ومنازل آل مراد.

اعتذر مني الشابين وسلكت طريقي شرقاً دامي القلب حزين

لم تنم مدينة حمص و لم أنم.

في صباح 18-4 رن هاتفي مرات عدة تتسابق الفضائيات للحصول على سبق صحفي وعند الظهيرة كانت الجنازات محمولة على الأكف والأكتاف كانت حمص تودع شهداءها جنازات تتجه نحو مقبرة الكتيب مقابل باب تدمر و جنازات أخرى تتحرك من الزهراء إلى مقبرة الفردوس على طريق زيدل.

كان قلبي منقسما بينها نصفين, ضاع صوتي وسط المشيعين وأخذت أنادي على BBC على المحطة, فلنقطع الطريق على من يريد أن يزرع في مدينتا الموت ولنوقف محاولات هتك نسيجنا الوطني والاجتماعي.

كانت الهتافات تعلو من كلا الجانبين (بالروح بالدم نفديك يا شهيد) عاد المشيعون من مقبرة باب تدمر إلى ساحة حمص الجديدة. حاول البعض نقل الاعتصام إلى ساحة جامع خالد بن الوليد فتدخل الأستاذ نجاتي طيارة قائلاً : من يريد أن يذهب إلى جامع خالد بن الوليد فليذهب أما نحن فباقون هنا ساحة جمال عبد الناصر، ساحة الساعة الجديدة رمز حمص ساحة الحرية.

ساعات قليلة كانت ملامح الاعتصام تكتمل (المنصة , الميكرفون , و خزانات المياه, الخيام , السندوتش ….) وتناوب الخطباء من كل أبناء حمص ونسيجها الوطني ساعات لم نعهدها وهتافات للحرية. فاضت الساحة وفاض شارع القوتلي الواصل بين الساعتين بالبشر المعتصمين والمتفرجين، من كل الأعمار، كانت الهواتف تأتي من كل أنحاء سوريا تهنئ و تطمئن وكذلك الفضائيات تتصل من كل الجهات وبشتى اللغات وكان الجواب الأصعب حول مصير الاعتصام وموقف السلطة منه. كنت أقول نأمل أن تتعامل السلطة مع مدينتنا الجريحة ومطالبنا بشكل حضاري بعيدا عن المعالجة الأمنية وأن السلطة التي تستجيب لمطالب شعبها ليست ضعيفة.

كان العشرات يبكون وكنت أبكي وكانت سيارة الأمن المرافقة لتحركاتي تنتقل حيث انتقل إلى الانشاءات والقصور وجورة الشياح .

كنت امشي في الهواء وأبث كلماتي عبر الأثير إلى شتى الجهات وكل المحافظات السورية وجاء من يقول هذا الاعتصام ممنوع !! و آخر مهلة له الساعة الثانية عشر ليلا وطلب مني التدخل. كانت المفاوضات تجري بين ضابط الأمن وبعض رجال الدين وجرى تمديد لحظة الصفر مرات عدة ثم اشتعلت سماء مدينتنا بالشهب والطلقات الخطاطة بالهواء فاختلط صوت الرصاص بالاستغاثة والدعوات إلى الجهاد وسال دم الشهداء والآهات.

لجأ المعتصمون إلى مقهى الفرح وأغلقوا الأبواب عليهم ونزل البعض درج قبو مبنى هاتف القوتلي واختبأ البعض الآخر وراء أعمدة مبنى المحافظة وقصر العدل ثم تم اعتقالهم وجرهم من الساحة إلى قيادة الشرطة ولم تنم حمص تلك الليلة ولم أنم.

عاودت الهواتف القلقة وهواتف القنوات الفضائية النزقة تستفسر عن الاعتصام .

فض الاعتصام

قلت حينها على الهواء إذا كان هناك مؤامرة فلا سبيل لقطع الطريق عليها وعلى الفتنة إلا بالحوار ومزيد من الانفتاح. وإن استنفار العصبيات سيزيد من التعقيد في المشهد والاستجابة لمطالب الشعب أقل كلفة من تجاهلها و تحل الكارثة في الإصرار على نكرانها والاستهتار بها وإن العنف في أحسن حالاته يولد العنف المضاد في دورة قتل تحصد السورين وتهدر دمائهم وفي الساعة الرابعة والربع بعد ظهر 19-4 عشرات الأشخاص يطوقون منزلي ويحاولون اقتحامه. كادت نهايتي تكون فيه لولا تدخل بعض الجيران الذين أجلوا أطفالي بحر ونجم الذي كاد يسقط من أيديهم.

عندما وصلت دورية الأمن المشتركة واعتقلتني سألني أحد العناصر عن أسلحتي فأشرت إلى قلمي ولساني وأصرت زوجتي رويدا أن يفتشوا البيت قبل أن يذهبوا وعلى مدخل البناية كان العشرات يصفقون ويهتفون بحياة الرئيس …….!

  • Social Links:

Leave a Reply