أسد قصار
منذ فترة ليست بقليلة وانا اطالع وأبحث واتابع والتقي وأتحدث مع مجموعات وأفراد بهدف كتابة مقال رأي منصف، علمي، ومنطقي يتحدث عن :
مجتمع الميم السوري (وهو مصطلح يشمل كل من حمل ميولا جنسية خارج اطار الميول المغايرة …كالمثليين ، والمثليات ، ثنائيي الميول الجنسية ، المتحولون أو العابرون من جنس الى جنسٍ آخر).. واقع هذا المجتمع، التحديات التي يواجهونها ، اصطفافهم السياسي مع أو ضد ثورة ، تطلعات المنتمين الى هذا المجتمع لسوريا المستقبل او سوريا ما بعد بشار الأسد.
حساسية الحديث عن هكذا موضوع والسلبية والرفض والنبذ السائدين اجتماعيا وشعبيا لمجتمع الميم لدى السوريين جعلتني اقرر أن اسبق مقال الرأي الذي يتحدث عنهم بومضات من تاريخ المثلية في الثقافة العربية وإلا لكانت مقالةً بتراء بلا جذر أو سند حضاري وثقافي.
المثلية ليست ممارسة حديثة أو دخيلة أو فصل من فصول المؤامرة الغربية التي تستهدف مجتمعاتنا المحافظة على الإطلاق .
بل هي ممارسةٌ قديمة .. وثقتها منحوتات ونقوش العرب القدماء وفي وقت لاحقٍ عبر القصائد والقصص والمرويات .
لم تكن المثلية في الثقافة العربية في مرحلة ماقبل الإسلام كما هي اليوم .. ميلٌ جنسي الى جنسٍ مماثل وحسب بل كانت ممارسةً جنسيةً في خضم حياة جنسية منفتحة للغاية على كل الخيارات دون قيد أو خط أحمر ما دامت تحقق المتعة واللذة .
جاء الإسلام … ووعد متبعينه ومريده بالثواب و بجنة ، وأنذر تاركيه ومعاديه بالعقاب والنار . رغَّب الله عبر النصوص المقدسة في القرآن ألمقبلين على الإسلام بالجنة من خلال وصف مافيها من جماليات ومغريات ، تقول الآية القرآنية : (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأسٍ من معين )
أي : يدير ويتواجد في أماكن انسهم ونعيمهم ذكور صغار في السن لا شعر فيهم ( مردة / جمع أمرد ) يلبسون الأقراط لا يشيخون ولا يكبرون … الاية نفسها تكمل وصف الملذات والمتع في الجنة وتتحدث عن الحور العين والطعام والشراب .
وهذا ما يثبت شيوع الميل الى الجنس المماثل كممارسة ممتعة بين من تم دعوتهم الى الإسلام والا لما تم وعدهم بتوفرها في الجنة .
تحدث القرآن عن المثلية صراحةً حين حكى قصة قوم لوط ، وهي قصة مطابقة لقصة مدينتي سدوم وعمورة في النصوص المسيحية والاسرائيليات . ولم يحرم أو يجرم اللواط بل تحدث عنه بذمٍ مبالغ .. يسمى هذا الذم في اللغة : تشنيع .
حوى النبي محمد في بيته خادما مخنثاً ( مثلياً) وما اضطهده او اهانه أو آذاه .. أنهى النبي علاقة الخدمة مع الخادم المثلي واخرجه من منزله لشكوى نسائه من تضايقهم من وجود رجل بينهم .
في ما يخص التراث والاحاديث لا يوجد الا حديث نبوي واحد يتحدث صراحة عن تجريم المثلية وهو :
( من وجدتما عملهما كعمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به )
وهذا حديثٌ مستحدث ملفق وموضوع … ودلالة ذلك أمور كثيرة منها :
– لم يقم النبي حدا او حكما شرعيا واحدا ضد المثليين طوال حياته
– لم يقم الخلفاء الراشدون أيضا بحكم شرعي او حد ضد المثليين بل ان المرويات تؤكد حيرة كل من ابي بكر وعمر وعثمان في الحكم على ما كان يعرض عليهم من قضايا ممارسة المثلية التي كان يستشيرهم في الحكم فيها ولاة الاقطار والامصار باستثناء حادثة واحدة قام بها خالد ابن الوليد بحرق رجلين بجرم ممارسة المثلية الجنسية وكان تصرفه تصرف فردي لم يستند الى شرع او نص او مرجعية .
– تختلف المدارس الفقهية الاسلامية حتى هذه اللحظة في كون المثلية .. ذنباً ام إثماً أم معصية أم جرما يوجب الحد أم جرما معظماً يوجب القصاص وانهاء الحياة .. ولا اتفاق حول هذه القضية .
في الحقبة الأموية .. أشتهر الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بممارسته للمثلية بجانب حبه للتبذل والتفسق والجواري وشرب الخمور .. في الحقيقة لم أجد في الكتب والمرويات ما يحكي الكثير عن المثلية في تلك الحقبة.
في الحقبة العباسية / الأموية الثانية ( الاندلسية ) ،،، وهي الحقبة التي عرفت ازدهار العلوم والاداب والفلسفة والموسيقى والفنون والفقه والترجمات … شهدت قبولا وسلاما وتعايشا مع المثلية الجنسية ، واستحسانا ورواجا لدى النخبة في المجتمع ، وتطورت من ممارسة جنسية إضافية الى ميول وهوية جنسية بارزة . عُرف منهم المأمون ابن هارون الرشيد والشاعر الشهير ابو نواس وغيرهم
ومن شعره في المثلية او كما كانوا يسمونها ( عشق الغلمان ) :
تمتع بالخمورِ وباللواط ,, ولا تخشَ المرورَ على الصراط
فذا طيبُ الحياةِ وأيُّ عُمر ,,لذي لهوٍ يطيبُ بلا لواطِ
وقوله:
لستُ بولاّج ٍ على جارتي ،، لكن على ابن الجار ولاّجُ
لستُ على غير غلام أرى ،، أيري إذا هيجت يهتاجُ
لا يبعج الصدع ولكنه ،، لفقحة الأمرد يعتاج
،،، تلى تلك الحقبة تشرذما سياسيا للمجتمعات والجغرافيا العربية وانحسارا في العلوم والاداب والترجمات وافق ذلك انحسارا في الحريات واحدها حرية الميول الجنسية وصولا الى العثمانيين الذين تعاملوا مع المثلية بعنف مطلق فجرموها وجعلوا عقوبتها الموت اعداماً بالخازوق .
فاصبح التخفي والسرية ديدن المثليين في الرقعة التي حكمها العثمانيون وورثت الدول التي استقلت بحكم نفسها تلك العدوانية اتجاه المثلية الجنسية بقدر أخف وطأة ولكنها ما زالت تعتبرها جرما يعاقب عليه القانون ويوجب الحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات .
،،، الشاهد من كل ما سبق … أن التشنيع والكراهة الاجتماعية رافقا المثلية منذ ان عرفها العرب … شهدت هذه الكراهة ضمورا في حقبة عرفت الازدهار والانفتاح … وعاشت تصاعدا منذ انحطاط مرت به منطقتنا في القرن الرابع عشر حتى يومنا هذا
Social Links: