قراءة في كتاب «حالات حرجة» لهادي العبد الله

قراءة في كتاب «حالات حرجة» لهادي العبد الله

بثينة الخليل

جاك الدور يا دكتور، الشعب يريد إسقاط النظام.. ويسقط بشار الأسد».. بشعارات سمعها أطفال درعا من التلفاز، ورددوها، وارتأوها مناسبة لوصف الشعب المستكين المظلوم، ابتدأ الشاب هادي العبد الله يدون أحداثًا مفعمة بالعذاب، والقهر، والآلام، والأحلام، عاشها في الثورة السورية، حيث قال: «نقول الحياة لا تختصر بكلمات، لكنها تختصر، والكلمة فيها ما فيها من لوعة واختزال، أن تطوي المعاني، والآلام، والاضطرابات، ونوبات الهلع، بمجرد نزعة كتابية حتى لا يضيع شيء».

يوثق الشاب السوري هادي العبد الله من مواليد 1987 ابن مدينة حمص، والذي واكب أحداث الثورة السورية منذ بداية عام 2011 هذا الكتاب الذي بلغ عدد صفحاته 192 ورقة، جانب من ذكريات عاشها بحلوها ومرها مع شهداء الثورة السورية، وتقاسم معهم غبار المعارك وتنفس عبق الحرية، ولم يدونها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إنه لم يكن متفرغًا لا نفسيًا ولا فكريًا لتدوين كتاباته، يبدو أنه لا يحب نبش ذكريات الماضي، لكنه بعد أن اقتنع من صديقه «جود» أن يكتب، اختار أن يكتب ما يتداعى لذاكرته حتى لا يأتي يوم ويصبح فيه المظلوم ظالمًا وبالعكس، أو لربما أنه كما ذكر في مقدمة كتابه الصادر عن دار «جسور» للترجمة والنشر في إسطنبول «أن البوح لن يطال كل زوايا الذاكرة، هناك أشياء نتناساها، وأخرى نريد لها أن تبقى دفينة كي لا تفتح جراحًا، وأخرى نتمنى لو أنها تذهب هكذا من تلقاء نفسها كأنها لم تكن».

يعد هادي من الشبان الأوائل الذين كسروا حاجز الخوف الذي بني على مدار عقود من قبل نظام الأسد، وذلك من خلال خروجه بالمظاهرات السلمية والظهور على القنوات الإعلامية بأسماء مستعارة، وإنشاء أول مشفى ميداني في منطقة البساتين، إضافة إلى تشكيل المكتب الإعلامي في القصير، حيث كان يفكر أنه من الواجب أن ينتقل الصوت إلى المحافظات السورية الأخرى، وأولها مدينة درعا حيث قام بإرسال أول رسالة قصيرة إلى الشريط الإخباري على إحدى القنوات الإخبارية الداعمة للثورة السورية، ويقول: «ما إن داعبت الفكرة مخيلتي حتى أمسكت بهاتفي وبعثت من رقمي الخاص رسالة إلى قناة أورينت نصها كالآتي: حمص، خروج مظاهرة حاشدة في ساحة الساعة بحمص نصرة لأهالي درعا، تعرضت لإطلاق نار من قبل الأمن السوري؛ ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى».

يسرد هادي حكايته مع رفاقه المصورين «رائد الفارس» و«خالد العيسى» و«حمود جنيد» و«طراد الزهوري» الذين تشبه حكايتهم حكاية كل شهيد في الثورة السورية، حيث تنقل بصحبتهم على مواقع الموت السورية، أولهم «طراد» الذي التقى فيه بإحدى المظاهرات التي كان يوثقها بآلته التصوير، والذي يكبره بـ10 سنين ونيف، لكنه لم يبال بذلك ، على الرغم من أن البعض كان يستغرب صداقتهم فيقول: «إن الأرواح حين تتآلف لا تسأل عن صورة، ولا تاريخ ميلاد».

هادي هو أول من نقل صورة تورط مقاتلي حزب الله اللبناني في دماء أهالي مدينته القصير، حيث نقل وصديقه «طراد» الصورة بالتفصيل إلى الرأي العام العالمي، إذ يقول: «كنا وطراد ننقل الصورة بالتفصيل إلى الرأي العام، لكن كثيرًا من القنوات الفضائية لم تصدق مشاركة حزب الله في الاشتباكات، إذ جاء الخبر نقلًا عن مقاتلي الجيش الحر في القرى، بل طلبوا أدلة على كلامنا من وثائق، أو مقاتلين، أو أسرى، دون أن يقنعهم سماعنا لأصوات مقاتلي الحزب يتحدثون باللهجة اللبنانية عبر اللاسلكي».

كما فضح في هذا الكتاب إحدى انتهاكات «جبهة النصرة» حين اعتقلوا «رائد الفارس» و«حمود» بتهمة مخالفة تعاليم الإسلام والشريعة حسب زعمهم، فعندما نعتهم العبد الله بقوله: «إنكم مثل نظام الأسد، ومثل (داعش)، ومثل أي نظام شرير في العالم».

فكانت إجابتهم له : «لا تشبهنا بالنظام المجرم»!

هادي: «بل إنكم لا تختلفون عنه في شيء، سوف أفضحكم، والله سأفضحكم»!

ما دفعهم لإخلاء سبيل «حمود» هو ألا يأتون على ذكر ما حصل في وسائل الإعلام.

كما أشار الهادي إلى بعض الأخطاء التي ارتكبتها بعض الفصائل العسكرية بريف اللاذقية «مقايضة بريئة كثمن لأناس أبرياء هم آخرون»، حيث كان مساندًا للحق أينما وجد، لا لمساندة الأطراف والفصائل.

انتقل ورفيق دربه «خالد العيسى» إلى مدينة حلب شمال سوريا عام 2016 لإسعاف المدنيين المصابين، ولنقل الصورة الحية إلى العالم الذي لا يزال نائمًا، كما ساهم في إطلاق حملة «حلب تحترق» على وسائل التواصل الاجتماعي لعل القصف على المدينة يتوقف بضغط من الرأي العام العالمي.

«يطول ليل المصاب وتتعثر أيامه وهي تمضي عنه بالآلام، فكيف لسنوات عجاف مررنا بها أن تكون ونحن نخرج من حالة حرجة فندخل أخرى؟!»، «لكننا على الطريق مادام في النفس نفس».

«حالة حرجة» هو اسم الكتاب الذي اختاره هادي، والذي يرتبط بدراسة الطب البشري الذي لم يقدر له أن يدرسه اختصاصًا، بل صمم أن يستكمل دراساته العليا في التمريض وبالتحديد، تخصص «حالات حرجة»، وشاء القدر أن يدخل بكل كيانه لحظة ولادة الثورة في وطنه سوريا إلى غرفة العمليات مباشرة لينقل الواقع من غير تزييف.

  • Social Links:

Leave a Reply