حكاية.. أطلس الأعدِقَاء

حكاية.. أطلس الأعدِقَاء

نجم الدين السمان

ما أن استفاق جحا؛ حتى رأى حمارَهُ يتأمّل في خريطةٍ للعالم مَفرودةٍ على الأرض أمامَه؛ فسأله: – ما تفعل منذ الصباح.. يا فتّاح يا عليم؟.قال الحمار من غير أن يلتفت إلى صاحبه:- أتأمل أطلس العالم؛ وبخاصةٍ دول أعدِقَاء الشعب السوري.فنهض جحا مشدوهاً من سريره: – ماذا قلتَ.. هل قلتَ الأعدقاء؟!فنهق الحمار مسروراً: أما تعرف يا جحا بأمر النحت في لغة أجدادك؛ ولقد سمعتكَ قبل ثلاثين عاماً تُشيد بنحت الروائي الكنعاني إميل حبيبي لكلمتي المتفائل والمتشائل معاً؛ فصارت بين يده عنوانَ روايةٍ له: المتشائل؛ و ها أنذا أدخلتُ إلى لسان العرب؛ من مزيج الأعداء / الأصدقاء.. مصطلحَ الأعدقاء وسيخطفه الفسابكة الجهابذة السوريون.. وكلٌّ ينسبه إليه!؛ فتعال بقربي.. لأعرِفَ أين تقعُ هذي الدول.ثم وضع حافره على الخارطة.. قائلاً: – فما هذه الدولة؟!.قال جحا: – هذه أمريكا.. زعيمة أعدِقَاء الشعب السوري.فمزّقها الحمارُ بلبطةٍ من حافره: – تلكَ أصلُ البلاء؛ تعِدُكُم ببَلسِمِ الحرية ولا تمنع عنكُم سُمُومَ الاستبداد؛ وتلك فرنسا.. تصرخ بأكثر ممّا تفعل؛ وبريطانيا التي يَعشَى فيها النظر لكثرة الضباب في سياستِهَا منذ لورانس العرب. فضحك جحا طويلاً.. ثمّ قال: – أخشى عليك يا حماري أن تصيرَ مُحلّلاً استراتيجياً؛ فلا تتركُكَ الفضائيّات ولا الإذاعات ولا الجرائد أو المجلات؛ حتى أنامَ وأصحو على صورتِك وصوتِك فيها.فنهق الحمار: – ما حدا يا جحا.. أحسَن من حدا؛ على الأقل نقبر الفقرَ الذي ابتُلِينا به من وراءِ كتاباتك. ثمّ أردفَ يسألُ: – وما هذه البقعة المُمتدَة من البحر إلى البحر؟!.قال جحا وهو يغصُّ بالحروف ما بين لَهَاتِهِ وشفتيه: – الوطن العربي.فمزقها الحمار بلبطةٍ من حافره: – هؤلاء الأخوةُ الأعداء: الأخوِعَاءُ؛ وهًمُ أسوأ من الأعدِقَاء خُلُقاً؛ وأكثرُ شعوبِ الأرض جعجعةً بلا طحنٍ وبلا طحين؛ بل إنهم كانوا أولَ مَن استنبتَ القمحَ بين البشر؛ فصاروا أولَ مَن يستورده؛ حتى أن الشعير بات ينقرض.. وأخشى أن يجوع قومي من الحمير بسببكم فيُهاجرونَ عائدين إلى موطنهم الأول: قبرص.. نجمة هلال بلاد الشام الكبرى!.ثم أخذ يلبِطُ الخارطةَ حتى مزَّقها؛ فأخذَ يلتهمُ ما تمزّق؛ وجحا في دهشةٍ من هذا الصباح الأطلسيّ؛ فلمَّا عَلَكَ حمارُهً أخرَ فَتفوتَةٍ من الخارطة.. تجشّأ؛ ثمّ تمطّى وهو ينهق مُستمتعاً بفطورِهِ وإفطارِه؛ ثمّ غصَّ فشربَ ماءَ السطلِ كلّه؛ واستدارَ نحو صاحبه جحا.. فأحسَّ بِدُواٍر غريب؛ ثمّ أخذَ يختلجُ وارتفعت حرارَتُه؛ فسأله جحا:- ما جرى لك.. حتى أنَّ وجهكَ قد صار كُحلِياً؟!.تحشرجَ الحمار: – أُحِسُّ بأسياخَ من نارٍ في معدتي.. وبألمٍ فظيع.. بِدُوارٍ وغثياااانٍ..فما كادَ يُكمِلُ حتى تقيّأ دولاً.. تقيّأ حكوماتٍ وحكّاما.. جيوشاً وعروشاً.. مرتزقةً يقتلون الناسَ بالسكاكين؛ وبراميلَ تنفجرُ.. فتدمِّرً الأبنية على سُكّانها المدنيين؛ تقيّأ سجوناً وسجَّانين.. شبّيحةً وبلاطِجةً.. مُعفِّشين ومُعتِلِفين غير مُؤتَلِفِين.. سماسرةَ دُنيا ودِين.. أمراءَ حربٍ ومُعَارِضِين؛ لصوصَ مُساعداتٍ وأدويةٍ وبَطَاطِين.. ظلَّ يتقيأُ حتى كادت معدَتُهُ أن تخرجَ من فمه.. وجحا مُمسِكٌ بتلابيبهِ حتى.. هدأ؛ ثمّ يمسحُ له فمَهُ بماء الوَرد؛ ويَربِتُ على رأسِهِ: – لا عليكَ يا صاحبي.. اصمد يا حماري؛ فما أكلَ أحدٌ أطلسَ هذا العالم.. ونجا من شَرِّهِ وسمومِه..فانتفض الحمار من بين يديه.. فعَنطَزَ عنطَزةً عظيمةً ارتجَّت لها الأرضُ؛ و نَهَقَ كما لم ينهق منذ ولادته.. صارخاً:- تباً لكم.. ولأعدقائكم.. ولأخوعائكم.. ولمؤتمراتكم.. ولهيئاتِكُم.. ولأحزابِكُم.. ولجماعاتِكم..ثم استدار تاركاً صاحبه في حيرةٍ عُظمَى.. حتى ناداهُ جحا: – إلى أين؟!فصرخَ حمارُهُ: – ذاهبٌ لأرفسَ بثاراً وحدي.. لا يفلُّ حديدً الاستبدادِ إلا حديدُ حدوتي!. ولا يُذِيبُ كُرسِيِّه إلّا نارُ رفستي.استنبول – 2014 ق.م الحريّة.*- من حكايات: جحا السوري وحماره وقراقوش.

  • Social Links:

Leave a Reply