شهادة المعتقل: مازن بسيس الحمادة  حول مشفى 601 العسكري

شهادة المعتقل: مازن بسيس الحمادة  حول مشفى 601 العسكري

مركز توثيق الانتهاكات في سوريا

 في “المشفى المسلخ” المشفى 601 العسكري، المزة، دمشق:

بين منتصف شهر كانون الثاني وبداية شهر شباط وفي أحد الأيام وحوالي الساعة الثامنة صباحاً تمّت المناداة على اسمي من قبل عناصر الفرع، ثم قاموا بتغطية عينيّ بواسطة “الطميشة” وطلبوا مني الصعود على أحد الأسرة وعند صعودي قاموا بدفعه بطريقة عنيفة جداً مما أدى سقوطي عن السرير وارتطامي بالأرض ضمن سيارة الإسعاف، وأثناء أخذي إلى المشفى إنهالت العناصر الأمنية بالضرب الشديد علي مستخدمين “أخمص البارودة” والركل بالأقدام خاصة على مناطق الرأس والبطن وكان أحد العناصر يقول باللغة العامية: “بلكي يموت قبل ما يوصل على المشفى”.

بعد أن وصلتُ إلى المشفى تفاجأت بثلاث ممرضات وأربع ممرضين يحملون أحذيتهم ومن ثمّ قاموا بضربي وإهانتي بشكل لا إنساني وكان الضرب يتمّ على منطقة الوجه أكثر من المناطق الأخرى، وكانوا يرددون كلاماً من مثل” إنّه من الإرهابيين وقد قام بقتل أهلنا وأطفالنا … ثم جاء أحد الأطباء وقال لي يجب أن تنسى اسمك لإننا سوف نعطيك رقماً هنا، وكنت أحمل الرقم ( 1858 ) وقام بأخذي إلى إحدى الغرف وطلب من أحد الممرضين تعليق “سيروم” لي، فما كان من الممرض إلا أن قام بجرح يدي وعلّق لي “سيروماً” مستعملاً، وبعدها أنزلوني إلى الطابق السفلي حيث كان هنالك غرفتين: الأولى تابعة للمخابرات الجوية والثانية تابعة للأمن العسكري شعبة المخابرات العسكرية، وقاموا بتقييدي إلى السرير مع أربعة

معتقلين آخرين وطلبوا مني حمل “السيروم” بيدي وعدم تعليقه كنوع من العقوبة …… ثم بعد أن انتهى “السيروم” ناديت على أحد الممرضين لفكه فما كان منه إلاّ أن سحبه بقوة شديدة مما أدى إلى نزول الكثير من الدم من مكان الإبرة المجروحة أصلاً وقال باللغة العامية: ” بس تموت راح نشيلك ونكبك بالزبالة …..”

من بين الأشخاص الذين كانوا بجواري إلى السرير – وكان يمنع على المرضى التكلم مع بعضهم البعض – ولكني كنت قادراً على رؤيتهم من تحت قطعة القماش التي غطوا بها عيناي، حيث كان هنالك أحد المعتقلين فاقداً للوعي ويعاني من شق في الجمجمة “كانت دماغه ظاهرة” حيث كان قد تعرض للضرب الشديد على راسه مما أدى إلى حدوث شق كبير في رأسه وكان ما بين الحياة والموت، وكان هنالك معتقل آخر على السرير وكان قد تعرّض للضرب الشديد على قدميه “الفلقة” حتى أصبحت كأنها “أقدام فيل” وكانت منتفخة جداً من الضرب حيث كان الانتفاخ غير طبيعي أبداً وكان وزنها حوالي 40 كغ لوحدها، وكانت آثار الضرب بادية على جميع أنحاء جسمه.

في نفس اليوم وفي حوالي الساعة الثانية عشر مساءً قمتُ بالمناداة على أحد الحراس، وطلبت منه أخذي إلى المرحاض لقضاء حاجتي، عندها أمر السجان أحد عمّال السخرة وكان من مدينة داريا بريف دمشق بأخذي إلى المرحاض الذي كان يفوح برائحة كريهة جداً يصعب على الإنسان استنشاقها، وكانت دورات المياه مؤلفة من مرحاض وحمام وغرفة ثالثة تتواجد فيها مغسلة صغيرة …

عندما قمت بفتح باب المرحاض أصبت بالصدمة، فقد شاهدت أمامي ثلاث جثث زرقاء اللون، وكانوا فقط بملابسهم الداخلية ولهم لحى طويلة وشعر طويل – كان يبدو عليهم أنّهم ممن أمضوا فترة اعتقال طويلة في المعتقلات – وكانت عيونهم قد تمّ اقتلاعها خلال عمليات التعذيب، وكان قد تمّ وضعهم فوق بعضهم البعض ….

أغلقت الباب فوراً وذهبت لافتح باب الحمام لقضاء الحاجة هنالك، فإذا بي أشاهد جثتين أخريين مع لباسهم الكامل وكان أيضاً لهم شعر طويل ولحى طويلة أيضاً ، ولكن كان يبدو عليهم علامات الموت القريب؛ أي أنّهم ماتوا نتيجة التعذيب قبل فترة قليلة …

وعلى الفور قمت باغلاق باب الحمام لاتجه نحو الغرفة الصغيرة التي تحتوي مغسلة هنالك فرأيت أيضاً جثة شاب يافع يبلغ من العمر حوالي 17 عاماً وكان أبيض البشرة وذو شعر أشقر وكان فقط مرتدياً لباسه الداخلي، وكانت آثار التعذيب بادية جداً على جسمه النحيل وكانت هنالك علامات بالحرق إمّا بالماء المغلي أو بالزيت الحارق أو مادة أخرى….

ومن ثمّ عدتُ أدراجي إلى الغرفة وكانت علامات الخوف بادية علي، فسألني السجان ما بك؟ فقلت له هنالك جثث في الحمامات، ولكنه لم يعر أي انتباه لكلامي وكان هذا السجان قد لقب نفسه “عزرائيل”.

عزرائيل كما كان يريد أن يناديه الآخرون هو أحد السجانين من آل شحود من محافظة طرطوس، كانت مهمته تتلخص في قتل من يشارف على الموت ……

أمّا عن الطريقة فيحدثنا الشاهد مازن حمادة قائلاً:

كان “عزرائيل” يحمل عادة في يده “بوري” من الحديد، ويأتي في آخر الليل بعد أنّ يكون قد وصل إلى درجة كبيرة من الشرب “السكر” فيخاطب المعتقلين المرضى: حكمت المحكمة الإلهية عليك بالخلاص …. وكان يختار ضحاياه من بين المعمّرين في السن وينهال بالضرب عليهم وخاصة على منطقة الرأس حتى يفارقوا الحياة، هذا على لسان عامل السخرة من مدينة داريا والذي أضاف أنّ هنالك كل أسبوع ما بين 15 إلى 20 جثة يتمّ أخذهم إلى مكان غير معلوم بواسطة “براد” كبير ….

بعد يومين بالضبط تفاجأت بجلبهم لأحد المعتقلين وكنت قد قابلته عن طريق الصدفة في مطار المزة العسكري وكان من منطقة شبعا بريف دمشق، وكان يعاني من التهابات جلدية مزمنة نتيجة البيئة السيئة للمعتقل إضافة إلى إصابته بمرض البرص “البهاق الجلدي” وأيضاً مرض الجرب، وأتذكر جيداً من كان يقوم بعملية تعذيبه في مطار المزة العسكري؛ كان أحدهم يُدعى “فواز الظبيع” من أبناء الجولان “مهام خاصة” وعنصر آخر من مدينة دير الزور يُدعى”فايز” وكان من بلدة محكان، وعنصر آخر من مدينة المالكية “ديريك” كردي اسمه”يوسف”، كان والده يعمل في حقول رميلان النفطية، وكان مجند من مطار عقربة، وانشق لاحقاً وسافر إلى مدينة أربيل في كردستان العراق…. وعند المجيء بالمعتقل كان “فاصلاً” اي فاقداً للذهن، ووضعه الحراس على نفس السرير الذي كنت جالساً عليه، ومثلما ذكر لي عامل السخرة تماماً جاء عزرائيل بعد منتصف الليل حاملاً “بوري حديد” في يده وكانت رائحة الخمر تفوح منه، ثم بدأ بالضرب المبرح على منطقة الرأس للمعتقل حتى أغمي عليه بشكل كامل وكانت دماءه تملأ المكان، وفي اليوم أي بعد عدة ساعات فقط فارق الحياة بشكل نهائي فقمت بالمنادة على عمال السخرة الذين جاؤا وقاموا بأخذه إلى الحمامات….

في اليوم الرابع من تواجدي في مشفى 601 حضر الطبيب وقمت بالطلب منه راجياً السماح لي بالعودة إلى فرع المخابرات الجوية، فقال لي: لكنك لم تتحسن بعد، فأجبته لا سيدي تحسّن وضعي الصحي بشكل ممتاز وأريد العودة، فقام بتسجيل اسمي وفعلاً في صباح اليوم الخامس جاءت سيارة تابعة للمخابرات الجوية وقامت بنقلي من مشفى ال 601 إلى مطار المزة العسكري، وبعد وصولي استقبلني أحد العناصر وكان يُدعى حافظ سليمان من مدينة بانياس محافظة طرطوس وقال: هذا الكلب لسى ما مات؟؟ فأمر بتعليقي إلى السقف بعدما قاموا بتقييد يدي “الشبح” ثم بدأو بضربي بالعصي والأحذية واستمرت العملية حوالي نصف ساعة ….. وكانت تلك آخر عملية ضرب أتعرض إليها حيث بقيت مدة شهر ونصف في مهجع يسمى “التنفس” وكان يشرف عليه أحد الأطباء المعتقلين ويُدعى طارق قصيدة والذي كنت قد قابلته سابقاً، ومن ثم قاموا

بتحويلي إلى الشرطة العسكرية في القابون بتاريخ 1-6-2013 ومنه إلى سجن عدرا المركزي بتاريخ 5-6-2013 حيث بقيت هنالك حوالي شهرين حيث تمّ تحويلي بعدها إلى محكمة الإرهاب في دمشق، ليأمر القاضي بإخلاء سبيلي، ولكن كانت هنالك بطاقة بحث أمنية باسمي من قبل قسم الأمن الجنائي في باب مصلى حيث تمّ تحويلي إليه ومنه إلى فرع الفيحاء التابع للأمن السياسي وبقيت هنالك 8 أيام ليتم تحويلي مرة أخرى إلى القضاء وليتم الإفراج عني بتاريخ 3-9-2013.

أجرى المقابلة: الزميل بسام الأحمد

  • Social Links:

Leave a Reply