محمد الأحمد_زمان الوصل
(عندما يكون المثقف واعياً لتفاصيل المقدمات والنتائج ، فإنه يتأسى بالأنبياء)
ولد الفنان (نضال سيجري) في مدينة اللاذقية، وكان يعرف -ليس فقط بسبب ثقافته الرفيعة- بل بسبب ولادته في قلب عروس الساحل (سابقاً) وحزن المتوسط كله (حالياً)، كان يعرف الجمل وما حمل في مدينته.
لهذا أسرع الخطى عام 2011، وقت خروج المظاهرات في قلب اللاذقية، وعندما بدأ الأمر يأخذ شكلاً طائفياً مذهبياً -بفعل الأجهزة- أسرع إلى مسقط رأسه ليحاول مع كل المحترمين، إبعاد الفتنة الطائفية عن المشهد، ولم يكن وحده بل كان برفقة صديق عمره (الليث حجو)، و لقد أبليا بشكل رائع في منع الفتنة.
كان (نضال) يقول عندما نتحاور: لايجب أن يحصل التغيير السياسي في سورية بالضربة القاضية، بل بالنقاط وبالتدريج !! لأن أي تغيير رديكالي قد يؤدي إلى كارثة، وبلا تغيير حقيقي أيضاً ستحصل الكارثة (ولقد صدق) رحمه الله.
في نفس الليلة التي كان يجالس فيها وجهاء القوم في اللاذقية، ويقوم بدوره الوطني لوأد الفتنة، كنتُ على الفضائية السورية، أحاور المرحوم (محمد سعيد) وهو يسألني عن رأيي فيما يحصل، فقلت ما جعل إدارة الفضائية تقطع البث.. فاتصل بي (نضال) فوراً بعدها يسأل عن سبب قطع البث، وأنه سيكلم وزير الإعلام محتجاً !! فلقد كنا وكان معنا الكثيرون سذجاً نظن، بأن النظام ربما سيفهم لغة الرياضيات، وكنا نحاول.
قد لا يعرف الكثيرون بأن الراحل (نضال سيجري) كان يمني النفس ببلد حر وديموقراطي، وكان يناضل من أجل هذا الهدف، ولكن بأسلوبه عالي الإنسانية وشديد السمو، حتى أنه لم يألُ جهداً مع كل من السلطة في أعلى الهرم، ومع باقي الأطراف الوطنية، حتى وهو بلا حنجرة، لأن مرض السرطان فتك بها فاقتلعها..ولكنه ما وفر أي جهد لآخر لحظة في حياته لإنقاذ البلد.
كنت أحاوره على الشبكة بشكل شبه يومي، وكان يقول لي مستذكراً (محمود درويش) في قصيدة بيروت: ولم أعثر على ما يجعل السجان وديا…ثم يصمت عن الكتابة وكأنه يفسح زمناً للبكاء، ثم يقول “بتعرف محمد والله ماني زعلان إني رح موت قريباً، وعندي شي كتير ساويه بس زعلان ع سورية .. لأن ما بدهم يفهموا أنهم رح يحرقوها هيك، والي كتبوا شعار الأسد أو نحرق البلد ما عم يمزحوا بدهم يحرقوها فعلاً).
ورحل (نضال)، رحل الرجل النقي عالي الثقافة والإحساس الوطني، وهو خائف على البلد، رحل بعد أن قال لرأس السلطة: جماعة نحرق البلد إرهابيون أيضاً (سيادتك)!!.
هنا أريد أن أقف مرة أخرى وقفة متسائل أمام السلطة التي تسببت بخلق (المحرقة السورية ) في سبيل البقاء ، لأخاطبها : هل تظنين بعد كل هذا الخراب و هذا الموت أنك بقيت فعلاً ؟!! وهل من يجلس على هرم الجماجم باق؟؟! هل من أسس للفرقة والفتنة بين مجموع الشعب باق، حتى لا أذكر المهجرين والمعتقلين والبيوت المهدمة على الرؤوس؟! هل من يجلس على جسد بلد يموت أهله من الجوع باق؟! هل من يجلس على جسد بلد توقفت فيه مصانع الدواء باق؟! هل من يجلس على كل هذا الحطام و أوله حطام النفوس باق ؟؟!..أما من بعض ضمير يوقظ فيكم إحساس اللحظة الأخيرة؟؟.
لتخاطبوا الناس خطاب الراغب بخلق فرصة تنفس الصعداء لهذا الشعب المقهور، حتى يجد الأمل لإطعام أطفاله وبناء ذاته واستشراف الأمل؟؟.
Social Links: