بقلم بشير العبيدي – ميدل ايست :
الرجاء ممن يقرأ هذا النص السّاخر ألا يشيّب ما بقي من شعر أسود خلف أذني ، ويقول لي : فرنسا قتلت مليون جزائري ومليون آسيوي وامتصت ثروات إفريقيا والعالم وخربت الدنيا ! أرجوكم لقد نشرت في ذلك الكثير والفرنسيون يعترفون – بعظام ولحم ألسنتهم – بذلك من دون خجل ولا وجل .. لقد صارت هذه العلكة ماسطة تماما وما بقي في هذه اللوبانة من نكهة ! خصوصًا أولئك الذي يشتمون فرنسا وهم لا يجرؤون على كتابة أسمائهم بلسانهم ويفضلون الكتابة والكلام بلغة فرنسا التي يلعنونها ويعشقونها وينشرون الأدعية لخراب بيتها !
لهؤلاء أقول : أخشى أن تزلقوا في شيء وأنتم تخلطون وتخبطون ! أرجوكم كفى! الاسطوانة انشرخت!
والآن، إليكم باكورة النتائج التي خلّفتها “غزوة قطع رأس الأستاذ الفرنسي صامويل پاتي:
1- نجحت هذه الغزوة – بامتياز – في إخراج ألوف الألوف من الفرنسيين إلى الشوارع تنديدا وشجبًا وغضبا ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا والعالم. ومنذ ثلاثين سنة من حياتي في فرنسا ما رأيت الفرنسيين في مثل غضبهم اليوم. وهي مجرد بداية. ومن كان لا يعرف صور شارلي هبدو الساخرة، وهي رسوم رديئة وبذيئة ولا قيمة لها ولم يكن يعرفها الفرنسيون، صار يعرفها سكان كوكب الأرض وربما الجن في المريخ. ويمكن طرح السؤال على محرك البحث التابع للشيخ غوغل للتحقق.
2- أقدمت السلطات الفرنسية على غلق عديد المدارس والجمعيات والمراكز والمساجد، حيث تعلّم فيها ويتعلّم عشرات الألوف من أبناء المسلمين، اللغة العربية والقرآن الكريم. وهي مجرد بداية. كما ساهمت الجريمة في انقلاب الرأي العام في اتجاه مزيد التطرف.
3- فقد عدد كبير من المعلمين والمعلمات وظائفهم، وفيهم نسبة كبيرة يعيلون أسرهم في المغرب الكبير وأفريقيا وغيرها من البلدان.
4- ضيقت السلطات الخناق على الجمعيات بأنواعها، وبدأت في حملة مراقبة غير مسبوقة لحساباتها، ومنع الأموال والتبرعات أو التحجير عليها، ومنع فتح حسابات مصرفية أصلاّ وهي مجرد بداية.
5- قرّرت وزارة التعليم الفرنسية طباعة كتاب فيه جميع الصور والرسوم الساخرة التي سببت احتجاج المسلمين، وجميع أطفال فرنسا سيطلعون على تلك الرسوم على الورق هذا العام والأعوام التي تلي، إضافة لكونها أصلا متاحة في الشابكة. عدد التلاميذ الذين رأوْا الرسوم الساخرة من طرف الأستاذ المقطوع رأسه: 20 تلميذًا. بعد غزوة قطع رأس الأستاذ: إثنا عشر مليون طفل فرنسي (12.000.000) سيجبرون على رؤية الرسوم الساخرة وتكون لهم الكتب المخصصة لذلك في رفوف مكتباتهم، فيها جميع الرسوم الساخرة بأنواعها. ومازال مازال.
6- زادت السلطات الفرنسية من مشاريع القوانين الصارمة التي لم تكون ضمن المشروع الأولي، ولم يعد هنالك من يستطيع الاعتراض بعد شناعة الجريمة المرتكبة ضد الأستاذ الذي تم قطع رأسه.
7- وأخطر نتيجة لهذا الفعل الشنيع لم أذكرها بعد: الذي أقدم على قطع رأس الأستاذ، قطع معه شيئا لم يكن في الحسبان في فرنسا: الآن ممنوع الاحتجاج على الرسوم الساخرة، ومن يفتح منقاره في هذا الموضوع، يكون الرد حاسماً وفي الحين.
لا أعدد هذه الآثار لكي أقوم بتخويف الناس، إذ لا يخاف إلا من ارتكب جرماً أو أخلّ بواجب، أو تجاوز قانوناً مفروضاً. بل أعدّدها لأن أبسط مستوى من الذّكاء يمكنه أن يتوقع مثل هذه الآثار. ويتلافاها.
هذا كلّه والسؤال الجوهري يظل – بلا جواب – محيّراً لعقلي وحارقا لفؤادي:
من هو الأخرق الذي زعم أن الصور الساخرة تمس من عرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يوم يبعثون؟
ومن يقدّر على الوصول لمساس عرض نبيّ أتباعه مليار ونصف المليار؟
ولماذا عفا هذا النبيّ عمّن حاربه وقال “اذهبوا فأنتم الطلقاء، و”اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”؟
وقال الله للشيطان الذي عارض خالق الكون “إنك لمن المنظرين إلى يوم يبعثون”؟
كيف يعقل هذا، بينما صحفيّ فرنسيّ، وهو جالس يدخّن حشيش القنّب في مقهى باريسي، ويحتسي كوبا من الويسكي، وفي يده ريشة يخربش بها على ورقة قذرة، استطاع أن يفرض على المسلمين الخروج في مظاهرات صاخبة قتل فيها وجرح الألوف منذ سنوات وتخريب المجتمعات، بجرة قلم، بينما لم تخرج هذه الجموع لأجل عرض النبيّ وأتباعه من الأيغور تطحنهم الصين، وأتباع النبي الروهنغا يحرقهم البوذيون، والقدس تضيع مع التطبيع المخجل، ومئات الألوف من أتباع النبيّ في الجوع والعراء والقتل في اليمن وسوريا وأفغانستان وغيرها من البلاد؟
أليس هذه هي الصورة الساخرة التي ضحك بها علينا صحفيّ فرنسي مخمور؟
والآن: الذين يصرون على العناد ويلبّسون هذه الصور الساخرة ما لا يمكنها أن تلبسه، ويقولون “بلى إنها تمس عرض النبي” هل عرض النبيّ بهذه السهولة ينتهك؟
والذين اتهموا من يعارض هذا الفهم السقيم، وحجزوا لهم مقعدا في جهنّم، ولي مقعد في جهنّم أيضا وفق زعمهم، هل يستطيعون الخروج الآن أمام الناس كي نعرف من هم، ويسجلوا لنا مواقفهم بالصوت والصورة ويشهدوا الناس عليها، وأن يفتوا الشباب بقطع رؤوس الأربعمائة ألف أستاذ فرنسيّ في التعليم الإعدادي والثانوي، وهم الذين فرضت عليهم الدولة الفرنسيّة عرض الرسوم الساخرة على التلاميذ، ويرسلوا أولادهم لتنفيذ الموقف على الأرض؟ وهل سيرسل الذين حجزوا لي مكانا في جهنّم مساعدات من أموالهم لضحايا آثار هذا العمل المخجل، كما يفعلون من سنين نراهم يهبون لمساعدة إخوانهم في فلسطين وسورية واليمن وأفغانستان والروهنغا والآيغور؟
من يتجرّأ ويعملها؟
إن أقوى سلاح في الوجود ضد الرّداءة هو سلاح اللامبالاة
وهذا ما فعله اليهود – تحديدا – الذين تنشر الصحيفة الفرنسية عن زعاماتهم وأنبيائهم الرسوم كل أسبوع بنفس الشكل البذيء. وهذا ما يفعله النصارى الذين تنشر نفس الصحيفة في كل أسبوع رسوما تدعي تعرية مؤخرات البابوات ورسلهم . وهي لا تعرّي سوى الخرء الذي في أدمغة رساميها، فهل يفعل بنا الخرء كل هذا؟
ويحنا .. أين عقولنا؟
Social Links: