نور عويتي – المدن :
لا يبدو أن الجحيم الذي يعيشه السوريون داخل مناطق سيطرة نظام الأسد ليس له نهاية، ففي كل يوم تسوء أوضاعهم بشكل أكبر من اليوم السابق. يصبّر السوريون أنفسهم بأن الوضع القائم هو حالة مؤقتة لن تستمر طويلاً، إلا أن الحقيقة عكس ذلك حيث تحولت أساسيات الحياة إلى رفاهيات وكماليات بالنسبة للغالبية العظمى.
في دمشق، بات استخدام المواصلات العامة للوصول إلى العمل أو الجامعة رفاهية لا يتمكن معظم السوريين من تحقيقها، في ظل أزمة المحروقات التي وصلت إلى الدرك الأسوأ، وخلفت طوابير هائلة من السيارات التي تنتظر أمام محطات الوقود لأيام لتحصل على مخصصاتها الشحيحة من مادة البنزين.
انعكاسات خطيرة
لم يعد أصحاب سيارات النقل العامة قادرين على العمل بانتظام، وذلك انعكس على المواطنين بشكل كارثي، ليندر وجود وسائل النقل ببعض المناطق، ويرتفع ثمن التنقلات بها بطريقة جنونية من دون أي رقابة.
وبدأت تلك الازمة تلقي بانعكساتها الخطيرة على الطلاب الجامعين الذين باتوا عاجزين عن الوصول إلى جامعاتهم، وخاصة الطلاب الذين يقيمون في ريف دمشق، بعيداً عن مركز المدينة، حيث قُطعت المواصلات العامة عنهم.
ويقول أحمد، وهو طالب في السنة الثانية في كلية الطب البشري في جامعة دمشق: “لم أذهب إلى الجامعة منذ ما يقارب الأسبوعين، بسبب عدم توافر حافلات نقل الركاب في منطقتي. ويعود السبب بذلك إلى إغلاق محطة بنزين جرمانا، وهو ما أدى لانقطاع المواصلات بالمنطقة بشكل كامل، لأن النظام الجديد لا يسمح لباصات جرمانا بتعبئة البنزين من محطات أخرى خارج منطقة عملها على خط جرمانا”.
ويضيف متحدثاً ل”المدن”، “أنا لا أستطيع تحمل تكلفة سيارات الأجرة يومياً إلى الجامعة، حيث يطلب السائق مقابل التوصيلة من جرمانا إلى الجامعة الواقعة في منطقة المزة 5000 ليرة سوري، ومن المستحيل أن أتمكن من دفع مبلغ عشرة آلاف ليرة سورية للوصول إلى الجامعة والعودة منها يومياً”.
تغيير الاختصاص
بات أحمد، الذي فقد الأمل في أن تنفرج الأزمة، يفكر بشكل جدي بتغيير اختصاصه واختيار فرع آخر في الجامعة لا يتطلب منه دواماً يومياً. وهو ليس الطالب الوحيد الذي اتخذ هذا القرار، حيث لجأ عدد كبيرمن الطلاب الجامعين إلى تغير اختصاصاتهم إلى اختصاصات تعتمد على المواد النظرية أكثر من العملية جراء أزمة المواصلات.
عدد كبير من الطلاب شرعوا بتغيير جامعاتهم، ولجؤوا إلى الجامعات الافتراضية، التي تتيح لهم التعلم عن طريق الانترنت. وعلى الرغم من أن التعليم الافتراضي مكلف في سوريا وشهادته أقل شأناً، إلا أن بعض الطلاب يجدونه أنسب بكثير من دوامهم اليومي في الجامعات الحكومية.
وفي هذا السياق تخبرنا ماريا عن تجربتها قائلة: “أنا أسكن في ضاحية قدسيا، والمواصلات هنا باتت شبه مستحيلة هذه الأيام، حيث لا تمر سوى حافلة واحدة بمنطقتي في الصباح، وهي لا تتّسع لجميع الركاب بالتأكيد، وتكاليف سيارات الأجرة باهظة للغاية، إضافة إلى خطورة ركوب فتاة بمفردها في دمشق بسبب عمليات الخطف”.
وتوضح أنها “وجدت الحل الأمثل أن أنقل دراستي إلى الجامعة الافتراضية، ومن حسن الحظ أن الفرع الذي أقوم بدراسته، وهو الإعلام، متوفر بالجامعة الافتراضية، والأقساط الفصلية التي أدفعها للجامعة تبدو لي أوفر من المصاريف اليومية للمواصلات للدوام في الجامعة، بالإضافة إلى أنه إجراء جيد في ظل انتشار فيروس كورونا”.
وفي ظل الظرف الصعب الذي يمر به الطلاب الجامعيون من تردي الأوضاع الاقتصادية والفقر المدقع، قام بعض الطلاب المقيمين في سكن الطلاب الجامعي المخصص للطلاب الوافدين من المحافظات المختلفة بتأجير أسرّتهم بشكل غير قانوني إلى طلاب يقطنون في ضواحي دمشق بأسعار مرتفعة. ويروي بشر وهو طالب جامعي أنه يدرس “طب بشري بجامعة دمشق، وأقطن في الهامة. ولأن فرعي يحتاج إلى دوام يومي، وبسبب صعوبة المواصلات، استأجرت سريراً في السكن الجامعي بسبعين ألف ليرة شهرياً، من صديق يدرس أدب إنجليزي ويقطن في طرطوس، ولا يداوم في الجامعة بشكل يومي، وإنما يأتي إلى دمشق فقط لتقديم الامتحانات”.
التخلي عن الجامعة
بالمقابل، فإن عدداً كبيراً من الطلاب لم يتمكنوا من إيجاد حلول خاصة بهم، وتخلى البعض منهم عن الدراسة بالجامعة فعلياً، ليجدوا أنفسهم مضطرين للانخراط في العمل مبكراً ووسط ظروف سيئة للغاية.
ويقول سامر، وهو طالب هندسة ميكانيك: “ظروف عائلتي المادية صارت سيئة جداً، ولم أعد قادراً على مواصلة الدوام في الجامعة لأسباب عديدة، وذلك دفعني للتفكير بترك الجامعة بشكل نهائي للمساعدة بتأمين مصروف البيت. وفي الوقت الحالي أعمل في محطات تعبئة الوقود بتنظيم الدور لأصحاب سيارات الأغنياء. وفي الغالب لن أعود للجامعة هذه السنة، بل سأبحث عن عمل آخر عندما تنتهي أزمة المحروقات”.
Social Links: