جبين بهاتي – الفنار:
أُجبرت ظروف الحجر الصحي عبر العالم، ملايين اللاجئات الشابات على ترك الدراسة في الأردن ولبنان وأماكن أخرى في المنطقة بسبب سياسة الإغلاق المرتبطة بوباء فيروس كورونا.
ويبدي العديد من مسؤولي الإغاثة والباحثين والمدافعين قلقهم من كون العديد من الفتيات لن يعدن إلى الدراسة عندما تفتح المدارس أبوابها مجدداً أمام الطلاب.
قال بيل فان إسفيلد، المدير المساعد لقسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش، الذي أشرف على التقرير الأخير الصادر بعنوان، “أريد مواصلة الدراسة: عوائق التعليم الثانوي للأطفال السوريين اللاجئين في الأردن”، “لا أذكر أنني قابلت أية فتاة سورية لاجئة تزوجت وتمكّنت من مواصلة تعليمها”.
وأضاف: “من المحتمل أن يكون هناك عدد قليل منهن ولكن هذا يبدو نادرًا. بمجرد أن تتزوج، ستكون الفتاة خارج المدرسة بشكل عام”.
وأفادت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه حتى قبل تفشي الوباء في وقتٍ سابق من هذا العام، كان 80 بالمئة من اللاجئين السوريين في الأردن يعيشون في فقر. كما وجد تقييم سريع للاحتياجات لـ “الفئات السكانية الضعيفة”، بما في ذلك سكان مخيمات اللاجئين، في الأردن في مارس من قبل مؤسسة “كير” الخيرية أن 90 في المئة أفادوا بأنهم لا يستطيعون تغطية تكاليف احتياجاتهم الأساسية.
“المفارقة المأساوية تكمُن في كون العديد من العائلات ما زالت تعتقد أنها ستجعل ابنتها أكثر أمانًا وتزودها بنوع من نظام الدعم من خلال تزويجها.”
وجد استطلاع آخر أجرته منظمة العمل الدولية في وقتٍ سابق من هذا العام أن 91 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان قد تم تسريحهم بشكل دائم أو مؤقت. وفي الأردن، أبلغ 95 في المئة منهم عن انخفاض في دخل الأسرة.
مع تدهور الأوضاع المالية للاجئين، يقول الباحثون إن هذا عادة ما يكون مصحوبًا بزيادة مقابلة في عمالة الأطفال والزواج المبكر والتسرب من المدارس، بغض النظر عن قوانين البلد المضيف.
قال فان إسفيلد “المفارقة المأساوية تكمُن في كون العديد من العائلات ما زالت تعتقد أنها ستجعل ابنتها أكثر أمانًا وتزودها بنوع من نظام الدعم من خلال تزويجها. لكن يمكن أن يكون الأمر خطيرًا للغاية بالنسبة للفتيات من نواحٍ متعددة: جسديًا وعقليًا، وهذا يعني أيضًا أنه لن تتاح لهن فرصة الذهاب إلى المدرسة.”
ارتفاع جديد
شهد اللاجئون والنازحون بالفعل اتجاهاً تصاعدياً في زواج الأطفال. على سبيل المثال، قبل اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كان معدل زواج الفتيات السوريات دون سن 18 عامًا رسميًا 13 في المئة، بحسب اليونيسف. اليوم، بعد ما يقرب من عقد من الزمان، يقدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان، المعدل بأنه أربع مرات ذلك في صفوف اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن.
لا يوجد الكثير من البيانات حتى الآن للاتجاهات التصاعدية في زواج الأطفال بين اللاجئين أو غير اللاجئين، حيث أدى الوباء إلى قطع إمكانية وصول منظمات الإغاثة والباحثين إليهم.
مع ذلك، يبدو معظمهم متشائما ومتأكدًا من أن الزيادة قادمة لا محالة.
قالت راشيل ييتس، مديرة التعلم والتنفيذ الإقليمي في منظمة “فتيات لا عرائس”، التي تضم 1,400 منظمة عضو حول العالم، “يمكننا رؤية علامات الإنذار المبكر.”
أشارت ييتس إلى زيادة الصعوبات الاقتصادية وعدم القدرة على الالتحاق بالمدارس. أوضحت قائلة “أظهرت الملاحظات التي نسمعها من المنظمات الأعضاء لدينا أن كلاهما قد زاد بشكل كبير. وقد أخبرتنا الفتيات بأنفسهن أن (زواج القاصرات) مصدر قلق حقيقي لأنه كلما طالت فترة انقطاعهن عن المدرسة، كلما تضاءل احتمال قيام أولياء أمورهنّ بإعادتهن للدراسة.”
عادة ما يتم حساب معدلات زواج الأطفال بأثر رجعي من خلال مسح أعداد النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عامًا لمعرفة تاريخ زواجهنّ، بحسب ييتس. قالت “لا يمكننا الانتظار للحصول على البيانات – بحلول الوقت الذي نكتشف فيه الأمر، سيكون الأوان قد فات.”
ينبع جزء من هذا اليقين ممّا حدث أثناء جائحة الإيبولا في سيراليون منذ حوالي خمس سنوات، وهو درس تحذيري للوضع الحالي؛ إذ ارتفع معدل زواج الأطفال والحمل بسبب إغلاق المدارس هناك. ولم تعد معظم الفتيات اللاتي تزوجن أو أصبحن أمهات إلى المدرسة. قالت آنا كريستينا دي أديو، كبيرة محللي السياسات لتقرير اليونسكو العالمي لرصد التعليم، “لقد أعطتنا أزمة الإيبولا تصوّرًا لملء الحلقة المفقودة.”
“من بين الأشياء التي نعرفها هو أن الفتيات اللاجئات بالفعل من أكثر الفئات ضعفًا في البيئة الخالية من الأوبئة. إنهن أكثر عرضة للزواج المبكر، والحمل المبكر، وأشكال العمل المحفوفة بالمخاطر بما في ذلك العمل بالجنس لمجرد توفّر هذا نوع من الخيارات لديهن.”
مشكلة قديمة
قبل الوباء، كان التعليم بالفعل حلماً بعيد المنال بالنسبة للعديد من اللاجئات في جميع أنحاء العالم. أفادت منظمة “فتيات لا عرائس” بأن الفتيات المراهقات في “السياقات الإنسانية” أكثر عرضة بنسبة 90 في المئة للبقاء خارج المدرسة مقارنة بنظيراتهنّ اللاتي يعشن أوضاعًا مستقرة.
على الصعيد الإقليمي، تراوحت معدلات التحاق اللاجئات السوريات – اللائي يبلغ عددهن أكثر من 2 مليون – في المدارس الابتدائية في تركيا ولبنان والأردن من 70 إلى 95 في المئة، لكنه انخفض بشكل كبير في المرحلة الثانوية إلى أقل من 30 في المئة بشكل عام، و15 في المئة في الأردن.
يعود جزء من ذلك إلى الأعراف الثقافية للنوع الاجتماعي التي تؤكد على أن المدرسة للبنين أكثر من كونها للفتيات، كما يقول مسؤولو مساعدات وباحثون، على الأقل في صفوف فقراء الريف. كما جعل الوباء وإغلاق المدارس الناتج عن ذلك التعليم بعيدًا عن متناول الفتيات.
توضح نوال مدللي، مؤسّسة جمعية سوا للتنمية، وهي منظمة غير حكومية للتعليم والتنمية تعمل مع النساء والأطفال، بما في ذلك اللاجئين، في منطقة البقاع بلبنان، كيفية حدوث ذلك في مخيمات اللاجئين.
قالت “أولاً، لا يمتلك جميع أولياء الأمور هواتفاً محمولة. ثانيًا، لا يوجد مال لشحن الهاتف الخلوي وخدمة الإنترنت – الواي فاي. بالنسبة للفتيات، لا تعتبر هذه أولوية…. على الدوام لا تكون الفتاة أولوية بالنسبة للعائلات السورية في المخيمات.”
الإقصاء واليأس
تتراجع فرص العمل في كل مكان بسبب الوباء. وعادة ما يكون الوضع أسوأ بالنسبة للنساء وقد يلعب مستقبلهن الوظيفي دورًا في قرارات الأسرة بشأن بناتهن. إذ كانت معدلات مشاركة المرأة في سوق القوى العاملة في الشرق الأوسط بالفعل على أدناها في العالم قبل الوباء حيث بلغت 24.6 في المئة – نصف المتوسط العالمي، وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة ماكينزي لعام 2020.
اليوم، يساهم الوباء في زيادة الوضع سوءًا. قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في تقرير صدر في جوان، “من المرجح أن تكون وظائف المرأة وأعمالهن التجارية ودخلهنّ أكثر عرضة للتأثر من الرجال بالتداعيات الاقتصادية للأزمة.”
يقول التقرير “هذه المخاطر حادة بشكل خاص بالنسبة لفئات معينة من العمّال غير الرسميين الذين يفتقرون إلى العمل والدخل والضمان الاجتماعي، بما في ذلك العمال المنزليون والعمال في القطاع الزراعي وصغار التجار، وحيث يكون تمثيل النساء مرتفعا بشكل ملحوظ، فضلاً عن اللاجئين.”
يقول باحثون إن توقعات التوظيف ستلعب دورًا في تفكير أولياء الأمور بخصوص الفوائد المحتملة من تعليم بناتهم. حتى قبل الوباء، أدركت الفتيات الصغيرات قلة فرص التعليم العالي والتوظيف وكُنّ على استعداد للزواج في سن مبكرة للحد من الفقر الذي تواجهه أسرهن، بحسب تقرير منظمة إنقاذ الطفولة، “صغيراتٌ جدًا على الزواج“.
مع ذلك، بالنسبة للفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكرة، برضاهن أو رغمًا عنهن، ربما يحمل هذا الفعل نتيجة لاحقة لطلاق سيء. وصفت إحدى الناشطات، التي كانت زوجة قاصرة ذات يوم، بالتفصيل قصة فتاة تزوجت في سن التاسعة من العمر ومحاولاتها الحصول على الطلاق الآن- في سن الثالثة عشرة. على الفتيات المتزوجات في زيجات غير مسجلة بصورة رسمية الانتظار حتى يبلغن سن الثامنة عشرة؛ ليتم تسجيل الزواج بصورة رسمية ومن ثم يتقدمان بطلب للطلاق، كما ذكرت زوجة قاصرة في إحدى المقابلات.
يقول الباحثون ومسؤولو الإغاثة إنه من الواجب التركيز بشكل أكبر على منع الفتيات من التغيّب عن المدارس والزواج في المقام الأول – قبل أن تظهر البيانات أن المسألة أصبحت مشكلة.
قالت شيلبي كارفالو، الزميلة بجامعة هارفارد والمتخصصة في التربية والفتيات في حالات النزاع، “من بين الأشياء التي نعرفها هو أن الفتيات اللاجئات بالفعل من أكثر الفئات ضعفًا في البيئة الخالية من الأوبئة. إنهن أكثر عرضة للزواج المبكر، والحمل المبكر، وأشكال العمل المحفوفة بالمخاطر بما في ذلك العمل بالجنس لمجرد توفّر هذا نوع من الخيارات لديهن.”
قالت “الجمع بين وضع اللاجئ وعوامل الخطر الإضافية الناجمة عن إغلاق المدارس لفترات طويلة والصدمات الاقتصادية المنزلية الإضافية – كل هذا يعني أننا نعلم أن أمامنا طريق صعب نوعًا ما.”
تعرف نزهة الحسين ذلك جيدًا. لكونها تزوجت في طفولتها في سوريا – حيث أجبرها والدها على الزواج في سن السادسة عشرة – وفرارها إلى لبنان بعد مقتل زوجها، وحيث تكافح الآن لتغطية نفقاتها. توقفت مدفوعات مساعدات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بسبب التخفيضات، ووظائف التنظيف التي تقوم بها لا توفّر لها سوى 10 دولارات في اليوم عندما تتمكن من العمل، وأطفالها الخمسة خارج المدرسة.
مع ذلك، تبدو الحسين مصممة على الحفاظ على تماسك عائلتها ومساعدة بناتها – أكبرهن تبلغ من العمر 12 عامًا – على تجنب مصيرٍ مشابه.
قالت “حتى لو كان هناك عريس ثري فلن أسمح لهما بالزواج في سنٍ مبكرة،” مضيفة أنه يتعين عليهما الذهاب إلى الجامعة. أضافت “أريد لهما أن تتجنّبا الحياة البائسة التي أعيشها التعليم هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك. أريدُهما أن تكونا أفضل مني”.
Social Links: