عدنان عبد الرزاق – العربي الجديد:
صدق رئيس النظام السوري هذه المرة، ووضع إصبعه على جرح نازف في الاقتصاد السوري، فأن ينسب أسباب الأزمة الاقتصادية “الجديدة” لأموال السوريين بلبنان واحتمالات موتها، فهذا حس وطني عال من سيادته، ولكنْ ثمة سؤالان فات الأسد طرحهما أو محاولة البحث عن إجابة لهما.
الأول، لماذا تذكر بشار الأسد هذه الأزمة الآن، رغم أن الأموال السورية مودعة في المصارف اللبنانية منذ عهد والده حافظ الأسد، وكانت مصارف لبنان، المكان الأول إن لم نقل الدائم، لنقل دولارات آل الأسد ومخلوف، وقت كان محمد مخلوف “أبو رامي” بمؤسسة التبغ ومن ثم بالمصرف العقاري، وكان السوريون يتداولون بالخفاء، كيف تنقل شوالات النقود إلى مصارف لبنان، كمحطة أولى على الأقل، قبل نقلها لمصارف سويسرا أو لتوطينها عبر شركات وممتلكات بالخارج.
هذا إن لم نأت على مخاوف المدخرين وقتما شارف نظامكم الوراثي الميمون، على السقوط، قبل أن تتدخل روسيا وتساهم بقتل الثورة وتدمير سورية، فوقتذاك، بين عامي 2012 و2015، لم يبق مدخر أو رجل أعمال، لم يبحث عن بديل، بمن فيهم، أو أولهم، شركاؤك وآلك، للأمانة إلاك وآمر الصرف باسم آل الأسد، محمد مخلوف، لأنه سبق الجميع ونقل الأموال المنهوبة، إلى الإمارات وروسيا وسويسرا حينما كان السوريون يعيشون وهم الوطن وبناء الاقتصاد والمساهمة بالتنمية.
أما السؤال الثاني يا أرخميدس عصرك، لماذا يضع السوريون أموالهم في المصارف اللبنانية، وهنا لم نغص بأوجاع التاريخ ونعد لقلة الثقة وعدم الأمان عبر الصفعة التي تلقاها رجال الأعمال والصناعيون السوريون بفترة التأميم، وقت صادرت دولة “الوحدة مع مصر” الممتلكات، رغم أنها منطلق.
ولن نبحث بالإتاوات التي تفرض على المودعين وأصحاب الأموال، كإلزامهم بتأسيس شركات مساهمة وقابضة “سوريا، الشام” لتتحول لاحقاً لملكية مخلوف والأسد، ولا حتى سنسأل عن نسبة الفائدة بالمصارف السورية مقارنة مع ما تمنحه اللبنانية.
هذا طبعاً إن فرضنا أن ثمة مصارف بسورية وقت أودع السوريون أموالهم بلبنان، فأنت تعلم أن المنظومة المصرفية بسورية الأسد، بقيت حكومية حتى القانون 28 لعام 2011، وربما لا تعلم، أن حيازة الدولار أو التعامل به بعهد الوالد، كان جريمة، تماماً كما أعدتها سيادتك مطلع العام الجاري عبر المرسوم 3 وجرّمت، كل من يتعامل بالدولار، بالأشغال الشاقة لسبع سنوات، وغرامة مالية تعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة.
بل يكفي إحاطة سيادتكم علماً، بأن جميع المستوردات التي دخلت سورية منذ خمس سنوات على الأقل، كانت عبر فتح اعتمادات مصرفية من لبنان، وكانت إيداعات السوريين هناك، ملاذ التجار والمنفد الوحيد لسد عورة خلل الأسواق.
قصارى القول: مجافاة للمنطق العقلي والاقتصادي ربما، أن نتغافل عن نحو 40 مليار دولار لسوريين، مودعة بالمصارف اللبنانية، سواء على النهوض بالاقتصاد السوري الذي لم تزد موازنته العامة، أيام العز عن 16 مليار دولار، وليس اليوم وقت لم تصل إلى ستة مليارات، أو حتى الأثر على المودعين أنفسهم، بعد ملامح الإفلاس بالمصارف اللبنانية وعدم السماح بسحب أكثر من 2500 دولار شهرياً ووفق سعر المصرف لا سعر السوق، أو اللجوء إلى المصالحة عبر الحصول على شيكات لا تزيد قيمة الرقم الموضوع عليها، عن 35% من قيمته في السوق.
لكن ذات المنطق، العقلي والاقتصادي، يدفعنا للسؤال أولاً، عن تحوّل سورية، منذ الأسد الأب، إلى بلد طارد للكفاءات والاستثمارات والأموال، إذ حريّ بالرئيس الوريث، أن يبحث بأثر هجرة الكفاءات وخسارة العقول، قبل أن يفكر بالأموال المودعة بلبنان.
نهاية القول: الأرجح أن وراء أكمة نبش موضوع الإيداعات السورية في لبنان، ما وراءها، ليعتبرها الأسد الابن سبب ما تعانيه سورية من مشاكل اقتصادية، ويقدمها على الحصار الاقتصادي وحرق المحاصيل وتبديد الثروات، وليمهد خلال زيارته معرض “منتجين 2020” بالتكية السليمانية في دمشق أمس، لضرورة محاسبة “هؤلاء الخائنين” ويقارنهم بـ”الوطنيين” الذين لم يهاجروا أو ينقلوا أموالهم إلى خارج سورية الأسد.
وأن يتم مرافقة الزوجة، أسماء الأخرس “سيدة الياسمين” بجولة سيادته، فهذا ما يزيد الشكوك والتوقعات بخطورة ما وراء الأكمة، فسيدة الياسمين وبآخر مساعيها للتحكم بالأموال وميراث، مخلوف والأسد، بعد مصادرة أموال رامي، هو بحثها مصادرة أملاك شركتي “شام وسوريا” القابضتيّن… وتهمة أن المودعين بلبنان أو مؤسسي الشركات هم واجهة أو شركاء لرامي مخلوف، باتت جاهزة وتودي لغياهب السجن لا مصادرة الأموال فحسب، بعد سخف تهمة دعم الثورة وتمويل الإرهاب وبطلان مفعولها.
Social Links: