فادي شباط – اقتصاد:
لم يتمكن “أبو ريماس” -القاطن منذ عام في إحدى مخيمات ريف حلب الشمالي- من تأمين أية وسيلة تدفئة إن كانت وقوداً أو حطباً، جراء فقدانه للعمل، ولم يلجأ كما كثيرين غيره إلى جمع المخلفات البلاستيكية أو القماش أو الكاوتشوك لاستخدامها في التدفئة حتى لا يُسبب الضرر لأطفاله الأربعة الصغار ويُزيد من مرض زوجته، مُفضلاً استخدام البطانيات فقط، ومنتظراً أيّة مبادرة قد تطلقها الجهات الرسمية أو المنظمات الإنسانية علّه يكون أحد المستفيدين منها.
يطل شتاء هذا العام حاملاً معه مزيداً من أعباء الحياة عاصفاً بما تبقى من موارد لدى قاطني المخيمات، وفارضاً عليهم إطلاق العديد من نداءات الاستغاثة لاتخاذ تدابير لازمة تحدّ من آثار الأمطار والعواصف، وغالباً، لا تلقى أصواتهم أي ردٍ من أية جهة مسؤولة، ما يُبقي المنظمات الإنسانية في الواجهة على غرار كثير من الملفات.
يحضر في مناطق شمال سوريا “إدلب، عفرين، اعزاز، الباب، جرابلس” الخارجة عن سطوة نظام الأسد أكثر من 1293 مخيماً منها 328 مخيماً عشوائياً، ويقطن فيها حوالي مليون ونصف إنسان، وتفتقر أكثرها إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة.
“اقتصاد” التقى بعضاً من المهجرين في مخيمات متفرقة، حيث أكّد كثيرون أنّ الاحتياجات الأساسية تبدأ بترميم الخيام المهترئة وفرش الطرقات داخل المخيمات وتعبيد الطرقات المؤدية إليها، واستبدال الحمامات ذات الإنشاء البدائي بحمامات اسمنتية قريبة من الخيام، وإصلاح وإنشاء قنوات تصريف مياه الأمطار، وتأمين عوازل أرضية ومطرية وبطانيات وألبسة شتوية، وصولاً إلى تقديم المدافئ وأية وسيلة تدفئة.
جرّاء الموجة الأولى من الهطولات المطرية الكثيفة في اليومين الماضيين تعرض 11 مخيماً يقطنها 1419 عائلة لأضرار كبيرة، وفقاً لفريق “منسقو الاستجابة” الذي ناشد منتصف الشهر الماضي المنظمات والهيئات الإنسانية بضرورة تأمين احتياجات فصل الشتاء لقاطني الخيام لا سيّما مع تضاعف أعداد المصابين بفيروس “كورونا”، مبيناً أنّ أكثر من مليون و43 ألف إنساناً غالبيتهم يقطنون في مخيمات تفتقد للرعاية والخدمات بشكل مطلق.
حسن الليكو، عضو في فريق “قطرة التطوعي”، يرى أنّه من الضرورة الإسراع في تشكيل غرفة طوارئ جامعة لكافة المؤسسات الناشطة بالشأن الإنساني والسلطات المحلية لتتشارك جميعها البيانات الطارئة واستخدام كافة الخدمات اللوجستية كالآليات لتدعيم الخيام وإنشاء مراكز إيواء جماعية مجهزة بالمستلزمات الصحية والغذائية والتدفئة لاستيعاب من قد يصيبه الضرر بسبب ظروف الشتاء بحسب ما قال لـ “اقتصاد”.
في شتاء العام الماضي 2019 وأثناء إعلان منظمة الأمم المتحدة حاجتها إلى 25 مليون دولار أمريكي لمساعدة السوريين وتلبية احتياجاتهم في المخيمات، كانت مياه الأمطار تغمر مئات الخيام، والسيول تجرف الكثير منها، والعواصف تقلع أمتنها، وكان الوحل يُعيق التنقل بين الخيمة وجارتها والمخيم والآخر، والمستنقعات تتجمع في المناطق المنخفضة والمخصصة لقنوات الصرف الصحي، ما يُنذر بوقوع كارثة أخطر بكثير من العام الماضي جراء تضاعف أعداد الخيام بعد موجة النزوح الكثيفة التي طرأت مطلع العام الحالي بسبب العمليات العسكرية الروسية بمنطقة جنوب إدلب وريف حماه الشمالي، ناهيك عن ضعف إمكانيات المنظمات الإنسانية بسبب إجراءات التصدي الدولية لجائحة “كورونا”.
النايلون والبلاستيك والكاوتشوك والقماش تُعد البدائل الوحيدة عن وسائل التدفئة الآمنة، إلّا أنّ استخدامها بشكل كثيف في أكثر المخيمات يؤشر لوقوع كارثة صحية، فهي من ناحية ستكون سبباً لانتشار الأمراض المزمنة والتنفسية جراء استنشاق الأبخرة والغازات الناتجة عنها، ومن ناحية أخرى ستساهم بالضرورة في انتشار “فايروس كورونا” بسبب الاختلاط في النقاط الصحية، وستفاقم من سوء القطاع الصحي نتيجة الضغط عليه.
كثير من فرق العمل الإنساني قامت مؤخراً بإنشاء كتل سكنية اسمنتية متواضعة على الحدود “السورية التركية”، وباتت تلك الأبنية البسيطة تُعد حلماً لكل قاطنٍ في خيمة، بحسب ما قال لـ “اقتصاد”، “أبو شادي” -المهجر من الغوطة الشرقية ويقطن في مخيمات بلدة قاح-، مُضيفاً بأنه حاول طيلة فصلي الصيف والخريف تجميع بعض المال لتأمين حطب التدفئة أو البيرين، إلّا أنّ مرتبه البالغ 100 دولار شهرياً لم يسمح له بذلك، إذ أنّه بالكاد يتمكن من تأمين متطلبات المعيشة الرئيسية لأسرته المكونة من خمسة أشخاص.
ويبلغ سعر كيلو أسوأ أنواع الحطب حالياً نحو 180 ليرة سورية ويرتفع سعره بحسب نوعه وجفافه، ويُباع ليتر المازوت الواحد بـ 1200 ليرة، واسطوانة الغاز بنحو 21500 ليرة، أما الألبسة المخصصة للحرق فلازالت غائبة عن الأسواق، ويبلغ سعر أسوأ أنواع المدافئ نحو 70 ألف ليرة سورية.
فقدان سوق العمل في مناطق شمال سوريا وارتفاع الأسعار الحاد أدّى إلى انعدام الموارد وانتشار البطالة بشكل كثيف، ما يدفع المهجرين وغيرهم إلى الاعتماد بشكل كلي على ما تُوفره المنظمات الإنسانية والفرق التطوعية.
بالعودة إلى “أبو ريماس” الطاعن بالسن، فقد أشار بضرورة تضافر الجهود داخل سوريا وخارجها، مقترحاً على اللاجئين السوريين تشكيل خلايا أزمات مهمتها جمع التبرعات وإرسالها إلى المخيمات للتخفيف من آثار الكارثة التي وبحسب رأيه المدعوم بمدى الأضرار التي وقعت خلال اليومين الماضيين، ستصيب أكثر المخيمات، لا محالة.
يوماً بعد يوم، وسنةً بعد أخرى، تتفاقم معاناة الفارين من نيران الموت الأسدية والمستقرين اضطرارياً في مخيمات الشمال السوري بعد أن فقدوا منازلهم وأملاكهم وفُرض عليهم التهجير، لتظهر أمامهم مأساة جديدة بموسميها “الصيفي والشتوي” لا تقل آثارها السلبية عن صواريخ الطائرات الروسية، ولا يقل القهر الناتج عنها عن تلقي مقذوفات المدافع الإيرانية وسط الصمت العربي والدولي. ويبقى المصير المؤلم، يتصدر المشهد.
Social Links: