نور عويتي – المدن :
لم يكن السوريون يعلمون أنه بعد صلاة الاستسقاء التي أقاموها منذ أقل من شهر في جميع مساجد المناطق التابعة لسيطرة النظام بتوجيه من رئيس النظام بشار الأسد ومفتي الجمهورية طلباً للغيث وإخماد الحرائق التي ابتلعت الساحل السوري، ستأتي بعدها أمطارٌ تغرق بيوتهم وتدمر أرزاقهم.
وكما وقف النظام عاجزاً عن إخماد النيران وطلب من مواطنيه الصلاة لنزول المطر، ها هو اليوم يقف عاجزاً أمام السيول التي أغرقت العاصمة دمشق بسبب الأمطار الغزيرة وقطعت طرقاتها؛ ليكتفي إعلام النظام الرسمي بالاحتفال برومانسية مفرطة بنزول أولى أمطار موسم الشتاء بعد شهور من الجفاف، متجاهلاً استغاثات الناس ومناشداتهم للمسؤولين لإنقاذ بيوتهم من الغرق.
قبل يومين شهدت العاصمة دمشق هطول أمطار غزيرة أغرقت شوارعها بالمياه وقطعت الطرقات والمواصلات؛ ليتكرر مشهد اعتاد السوريين عليه في السنوات الأخيرة، إذ إن شوارع العاصمة تطوف سنوياً بموسم الأمطار الغزيرة بسبب سوء تصميمها وعدم تزفيت معظم شوارعها، بالإضافة إلى مشاكل في شبكة التصريف الصحي.
في العام 2017 حذرت الأمم المتحدة من التبعات الخطيرة لتهالك وتآكل شبكات الصرف الصحي في دمشق ومحيطها. وخلال تلك السنوات لم يتعامل مسؤولو النطام بجدية مع هذا الخطر. ويبدو أن ما حذرت منه الأمم المتحدة قد ذاقه السوريون اليوم؛ فمجاري العاصمة طافت في كافة الشوارع وأغرقت السيارات. وتعطلت شبكات الصرف الصحي في مناطق مختلفة من دمشق بشكل تام؛ وهو الأمر الذي أدى إلى تدفق مياه الصرف الصحي إلى عدد كبير من المنازل في معظم المناطق، منها مزة 86، دمّر البلد ونهر عيشة.
وأبلغ أحد سكان مزة 86 “المدن” بأن “الأمطار الغزيرة استمرت بالهطول بشكل متواصل من الساعة 1 بعد منتصف الليل وحتى الساعة الخامسة فجراً. وبعد ساعة من هطول الأمطار، تعطلت قنوات الصرف الصحي في المنطقة وبدأت المياه تتدفق إلى الشوارع، وفوجىء أغلب سكان الحي وخاصةً القاطنين في الطوابق الأرضية بتدفق مياه الصرف الصحي من حمامات منازلهم، وغرقت بيوتهم بمياه المجاري”. وأضاف أن بلدية المنطقة والطوارى المركزية لم تستجب لطلبات المساعدة المتكررة.
ووصلت المياه الغزيرة إلى الأجهزة الكهربائية داخل المنازل، فيما هرب معظم السكان خوفاً من اندلاع الحرائق بسبب تضرر شبكات الكهرباء.
ولم تقتصر خسائر السيول على داخل المنازل، فتضررت الأرزاق خارج بيوتهم بسبب انجراف التربة نتيجة المطر وسقوط الصخور والجدران العازلة على السيارات الخاصة. وقال أحد سكان منطقة دمّر البلد، أن العديد من السيارات في المنطقة تضررت بسبب انهيار التربة وسقوط الجدران العازلة في الطرقات العامة. وقال: “يبدو واضحاً أن سبب سقوط هذه الجدران هو سوء بنائها، فقد سقطت البلوكات كما هي، وكأنها كانت مرصوفة على بعضها دون استخدام الطين ما أدى إلى ضرر بالسيارت، التي يُقدّر إصلاح بعضها بما يزيد عن المليون ليرة”.
ولم يتحدث أي مسؤول رسمي عن إمكانية دفع تعويضات للمتضررين فيما يعتبر تأمين بديل عن المنازل المتضررة في هذه الظروف الاقتصادية شبه مستحيل لمعظم المواطنين. وإضافةً إلى ذلك، فإن أزمة السيول زادت من معاناة الناس في معظم مناطق سيطرة النظام، بسبب ما تبعها من أعطال بشبكة الكهرباء، ولاسيما في المناطق الغارقة بمياه المجاري، التي يبدو إعادة تأهيلها أمراً صعباً للغاية.
ويؤكد سكان المناطق المتضررة الذين تحدثت معهم “المدن”، أن الدولة لم ترسل عمالاً لصيانة المجاري حتى الآن. لذلك قام بعض شبان الحي بالتطوع لحل الأزمة وحاولوا أن يفتحوا أنابيب الصرف الصحي من دون دعم، وتعاونوا على تجميع المياه من الطرقات وإزالة الأتربة والأوساخ الناجمة عن الفيضانات؛ إلا أن هذه الجهود تبدو وكأنها تضيع سدى، فإلى اليوم لم يتم توصيل التيار الكهربائي بسبب تعطل المحولات، وكذلك المياه مقطوعة.
وأصابت الأضرار أحياء راقية في العاصمة دمشق، وليس العشوائيات فقط، كمنطقة مشروع دمّر، التي تعتبر واحدة من أفضل المناطق التي تم تنظيمها من قبل الدولة. وأدى انجراف التربة إلى تضرر عدد كبير من الأبنية والمنازل الموجودة بالقرب من السفوح الجبلية في المنطقة، وتراكمت الصخور في الشوارع وأعاقت حركة السير تماماً. بالإضافة إلى أن المياه غمرت كابينات المحولات الكهرباء في المنطقة مما شكل خطر بالاقتراب منها أو صيانها من قبل المواطنين. ولم ترسل الدولة أحداً لحل هذه المشاكل.
Social Links: