عن الخيار والفقـُّـوس بخصوص قواعد الأمريكان والروس

عن الخيار والفقـُّـوس بخصوص قواعد الأمريكان والروس

 خالد دانيال نعمة

ما أن يفتح المرء فاه، وقبل أن يـُـهبـِّـله ولو بكلمة واحدة عن قواعد الإمبريالية الروسية الناشئة على الأرض السورية، حتى ينبري له بحماوة أصحاب الشماسي ذات هوى الاستبداد الشرقي بالقول إنَّها شرعية ولا غبار عليها، لأنـَّـها قد أقيمت بموافقة سلطات الأمر الواقع القائمة، ولذلك فوجودها شرعي، ولا اعتراض عليه، ما دام الموقـِّـعون عليها من الطرف البائع قد ثبتوا شرعيتهم الساقطة شعبياً بقبول ضمني ولو إلى حين من موقـِّـعي الطرف الشاري.

ويتناسى أصحاب الحميـَّـة هؤلاء أنَّ إقامة قواعد عسكرية للدول الأجنبية على أراضي دولة يـُـفترض أنـَّـها قد بذلت خلال أجيال كلَّ ما يمتُّ للغالي والنفيس للحصول على استقلالها مخالف منطقاً وأخلاقاَ وسياسة لكل تاريخها ونضالها الحقيقي الشعبي وحتى للنضال الكراكوزي الرسمي الاسمي، ويغمضون العين عن أنَّ أفراداً قد أتوا وشطبوه بجرَّة قلـَّـم بحكم وجودهم في موقع القرار، ما أن اهتزَّت كرسيَّ الحكم تحت مؤخراتهم، دون أن يعيروا للتاريخ اهتماماً، ودون أن يقيموا لشعبهم اعتباراً، ولو في حدوده الشكلية باستفتاءاتهم التي تمرَّسوا فيها والمعروفة النتيجة سلفاً.

في العقود الأخيرة من القرن الماضي، كان أدعياء اليسار الحاليين وبعض المحسوبين عليه زوراً وبهتاناً يفتحون نيرانهم على شيوخ بلدان النفط وأمرائها لأسباب كثيرة، في مقدِّمها أنـَّـهم شرَّعوا بلدانهم على مصراعيها للقواعد العسكرية الأجنبية هناك، وهي القواعد التي مثـَّـلت رؤوس حراب الإمبريالية الأمريكية في عدوانها المستمر والهادف إلى إحكام السيطرة الاستعمارية على شتـَّـى البقاع في العالم لنهب ثرواتها وخيراتها وتحويلها إلى أسواق تابعة بهدف إطالة عمر تشكيلة الاستغلال الاقتصادية والاجتماعية.

ولم يكلـَّـف أصحابنا هؤلاء أنفسهم ولو للحظة، ليجروا مقارنة ولو بسيطة بين قواعد جبـَّـارَيْ التناحر الإمبريالي المعاصر العسكرية القائمة على أرضنا، التي غابت ملامحها الوطنية في أيامنا هذه. أرضنا التي مـُـزِّقتْ أوصالها، وصارت مرتعاً لكلذِ أنواع العابثين والطامعين كرمى عينيِّ حاكم ما عاد يسمو شخصه وأرجل كرسيِّ حكم، لا يمون الجالس فوقه مجازاً على أكثر مما تمتد إليه يده في غرفة نومه.

فلو أنـَّـهم فعلوا، لوجدوا أنَّ وظائف هذه القواعد لا تختلف من حيث الجوهر، وإن اختلفت من حيث النسبة والتبعية، وجوهرها احتلال باحتلال وفقدان للاستقلال والسيادة الوطنية، السيادة التي طالما تشدَّق بها مدافعو اليوم عن القواعد القيصرية، الذين ينسون أو يتناسون، لا فرق، أنَّ الخيار والفقـُّـوس ينتميان إلى الفصيلة القرعية ذاتها، وأنـَّـه لا فضل لأحد بينهما، لا بتقوى ولا بغيرها.

  • Social Links:

Leave a Reply