ايران وتحديات رئاسة بايدن

ايران وتحديات رئاسة بايدن

حسن فحص – المدن:

اتجاهات متعددة تبرز داخل الاوساط السياسية الايرانية، من التطورات التي افرزتها الانتخابات الرئاسية الامريكية لا سيما تكريس فوز مرشح الحزب الديمقراطي جوزيف بايدن وتوليه قيادة البيت الابيض.

فانتصار جو بايدن سيعيد خلط تقديرات القيادة الايرانية في معادلاتها الداخلية، وايضا في استراتيجياتها الخارجية خاصة الاقليمية، واعادة تقويم المعطيات الجديدة التي سيفرزها فوز بايدن او ما ستساهم فيه عودة الخطاب الاوبامي الديمقراطي الى قيادة البيت الابيض والسياسات الامريكية في العالم، خاصة تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الاوسط والدور الايراني في منطقة غرب آسيا.

ولعل اكثر ما قد يشغل بال القيادة الايرانية في ظل رئاسة بايدن في البيت الابيض، عودة المنطقة الى مرحلة ما قبل عام 2018، ان كان في العراق او سوريا، من معارك في مواجهة الحركات الارهابية وتحديدا الاثار التي تسببت فيها سيطرة تنظيم داعش وقبلها النصرة على هذين البلدين والاثمان التي اجبرت طهران ومحورها وحلفاءها الاقليميين واذرعها العسكرية في هذا المحور على دفعها لتكريس موقعها ودورها وسيطرتها على قرار هذا المحور الجيوستراتيجي الحيوي الذي يسمح لها بفرض نفسها شريكا ولاعبا اساسيا في المعادلات الاقليمية والدولية السياسية والاقتصادية والنفطية والغازية والامنية والعسكرية.

لا شك ان القوى الايرانية المختلفة والمتخالفة ستدخل في قراءة النتائج والتداعيات والاثار الداخلية والخارجية التي ستنتج عن عودة الديمقراطيين ومرشحهم جوزيف بايدن للامساك بقرار البيت الابيض، بشكل اكثر جدية وبعيدا عن التراشق في المواقف والاتهامات التي سادت في الاشهر الاخيرة قبل الحقائق الجديدة الاتية من واشنطن.

التيار المحافظ في ردة الفعل الاولى يبدو انه يقترب في موقفه من عودة الديمقراطيين وانتصار بايدن من موقف الحكومة برئاسة حسن روحاني وفريقه المفاوض والى حد ما موقف القوى الاصلاحية، التي ترى أن هذا التغيير سيساهم في خلق حالة من الراحة والارتياح في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي الذي سيكون اولى نتائج قرار او نية بايدن العودة الى الاتفاق النووي وامكانية عودة النفط الايراني الى التدفق نحو الاسواق العالمية بشكل اكثر سلاسة وما يستدعيه ذلك من قدرة ايران في الحصول على عائدات هذه المبيعات او على الاقل جزء منها.

في مقابل هذه الايجابية المباشرة التي قد تنعكس على الوضع الايراني اقتصاديا، الا انها لا تؤسس لحالة من الارتياح لدى فريق النظام ومؤسساته السياسية والعسكرية، لجهة التحديات التي فرضها هذا التغيير على مسار السياسات الداخلية وموازين القوى بينهم وبين المعسكر الاصلاحي بكل تنوعاته. لان هذه القوى – الاصلاحية – ستتمكن من استعادة انفاسها والعودة الى دائرة التنافس الجدي في معركة رئاسة الجمهورية المقررة في حزيران/يونيو 2021، بحيث تكون امامها امكانية لخلط الاوراق او على الاقل العودة بشكل واضح الى السباق الرئاسي كمنافس نسبي يربك آلية استعادة السلطة التنفيذية امام معسكر النظام المحافظ.

من ناحية اخرى، فان عودة الديمقراطيين وتولي نائب الرئيس باراك اوباما قيادة البيت الابيض، او كما وصفته رئيس الكونغرس نانسي بلوسي “لن نقول عنه نائب الرئيس، بل سيكون الرئيس” سيضع مؤسسة النظام وجناحه العسكري امام مخاوف العودة الى السياسات القديمة التي كانت اكثر ايلاما وتهديدا لايران، فهي التي اسست لما قام به الرئيس الخارج من البيت الابيض دونالد  ترمب من فرض عقوبات وحصار واستهداف مباشر وغير مباشر لها ولحلفائها في الاقليم. اي ان سياسة الاستمرار في العقوبات ستستمر مع بايدن، الا انها ستكون من بوابة العودة الى الاتفاق النووي بحيث توفر له غطاءا دوليا لممارسة الكثير من الضغط لفتح مسار جديد من التفاوض يتجاوز البرنامج النووي ويشمل الملفات الاخرى التي لم يستطع ترمب اجبار ايران على قبولها خاصة في مجال البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي.

النفوذ الاقليمي قد يكون المصدر القلق الرئيس لدى النظام الايراني مع بايدن، فعلى الرغم مما يقال ان اوباما قد تخلى عن سياسة الحد من النفوذ الايراني في الاقليم مقابل تحقيق انجاز الاتفاق النووي، فان التطورات التي حصلت مع ترمب في المعادلات الاقليمية، ستدفع بايدن للاستثمار فيها من اجل الحصول على المزيد من التنازلات الاقليمية. وهنا سيكون النظام الايراني والمؤسسة العسكرية امام تحدي الذهاب الى هذا الخيار، او العودة الى مواجهة مستجد امني قد يقوم على ما تم التأسيس له بعد عام 2011 في الاقليم من صعود للجماعات الارهابية في مناطق النفوذ الايراني في العراق وسوريا وافغانستان، ما يدخل النظام الايراني في دورة استنزاف جديدة من الممكن ان تكون اكثر تعقيدا من الدورة السابقة.

الجواب بسيط وفق ذهنية الحسابات الروسية، التي لا يزال الكرملين أسير مفرداتها، فهذا المؤتمر يمكن أن يحقق نتائج مادية مباشرة بعد حين، في الخاصرة الرخوة من قضية اللاجئين السوريين، هذه الخاصرة تتعلق بوجود اللاجئين السوريين في لبنان، فعودة مليون لاجئ تعني كسر تنفيذ القرارات الدولية، ونجاح الحل الروسي.

والروس يتبعون سياسة تجزيء الحل، عبر مربعات يمكنهم تنفيذها والربح فيها، وهو أمر فعلوه في معاركهم ضد فصائل الثورة السورية في الغوطة الشرقية وحلب وشمال حماة، والآن يريدون تنفيذه في إدلب.

المعارضة الرسمية السورية لا تمتلك برنامج عمل خاصًا بها يتصدى لسياسة الروس، لأنها لا تمتلك برنامجًا كهذا، بسبب انتقال الصراع السوري من حيّزه الداخلي بينها وبين نظام الأسد، إلى حيّز الصراع الدولي في سوريا، وهذا أمر يجب إعادة النظر ببعض مفرداته، خارج نسق التفكير الذي تمّ تبنيه طوال سنوات الصراع التسع المنصرمة.

إذًا، الروس يريدون إحداث شرخ ولو بسيط في جدار الممانعة الدولية لأجندتهم، دون إيمانهم بضرورة أن يغير النظام من بنيته، هذه البنية التي دمرت البلاد والعباد، وجعلتهم (أي الروس) يغرقون بعض الشيء في المستنقع السوري.

الروس يدركون أن الزمن لا يعمل لمصلحتهم، فكلما طال زمن الصراع، هناك متغيرات يرونها بأم عينهم، تحدث دون قدرة على مجابهتها، مثل هزيمة حليفهم أرمينيا في حربها ضد أذربيجان، فالمجابهة في صراع كهذا جرى في ناغورني كاراباخ، يعني أن الروس سيزيدون من أعباء تكاليف تدخلاتهم في مناطق عالمية، مثل ليبيا، وسوريا، وكاراباخ، وأوكرانيا…

إن إحداث شرخ في موضوع اللاجئين السوريين في لبنان، يتطلب سياسة أخرى من المعارضة الرسمية السورية، هذه المعارضة يجب أن تعيد حساباتها بعلاقتها بحاضنتها الشعبية عمومًا، وحاضنتها في لبنان خصوصًا، وهو أمر يتطلب دورًا فاعلًا أوسع من بنية هذه المعارضة بصورتها الحالية، وبهيمنة أطر عاجزة عن فعلها المطلوب.

الدور المطلوب يحتاج إلى استراتيجية متكاملة تضعها مؤسسات المعارضة بكل تقسيماتها (ائتلاف، حكومة مؤقتة، هيئة تفاوض، منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية…)، بحيث يكون هذا الدور فاعلًا في منع اختراقات الروس جدران المعارضة وبيتها الداخلي، من خلال تجزئة مربع الحل الشامل إلى مربعات صغيرة ومتعددة.

ولكن ينبغي القول، إن الروس ذهبوا إلى عقد مؤتمر عودة اللاجئين ليس من أجل عودة اللاجئين الآمنة، لأن شروط مثل هذه العودة لم تتوفر بعد في ظل استمرار النظام السوري، بل عقدوا المؤتمر ليقولوا للغرب، يجب وضع الملفات التي يجري الصراع عليها بيننا وبينكم على طاولة مفاوضات واحدة، وإن الحل في سوريا هو جزء من حل لقضايا أخرى، فهل يتمكن الروس من إجبار الغرب على القبول بهذه المعادلة، في ظل رفض غربي للمؤتمر ونتائجه؟

الروس ربحوا بعض الوقت للمناورة، ولكنهم غفلوا أن عدّاد الزمن يراكم من الصعوبات لديهم ولدى نظام الأسد الذي لم يتمكن من توفير أي مرونة حيال مصالح السوريين الثائرين عليه.

النظام الذي دخل مغامرة قاتل أو قتيل، هو نظام أثبتت الحياة أنه غير صالح للحياة، وهذا ما يجب أن تبني عليه قوى الثورة برنامج مستقبلها، لا الرقص في مربعها الأول الذي فات زمنه. ن تنتقل في هذه المرحلة إلى التلاحم مع قاعدتها الشعبية،

  • Social Links:

Leave a Reply