رامي الأمين – درج:
اعتمدت “سوريا الأسد” لخارجيتها وزراء من دون شوارب، في حرص واضح ليكونوا في تماسهم مع الغرب متخففين من رمز ذكوري سلطوي معتمد في صورة الرجل الحاكم في الديكتاتوريات البعثية.
لطوني حنا، الفنان اللبناني المعروف بشاربيه المميّزين، أغنية تقول “لا تحلفيني بالشنب”، لأهمية الشنب في الحلفان(القسَم)، بما يمثله في “الثقافة” الشعبية العربية من رمز للرجولة والفحولة، وتنتهي الأغنية إلى تسوية مع المرأة: “خلّي الشوارب على جنب”. وتكاد تكون هذه العبارة الأخيرة اقرب شعار يمكن اسناده إلى السياسة الخارجية لآل الأسد، منذ إمساك حافظ الأسد بالسلطة في العام 1970 وحتى يومنا هذا، مع وفاة وزير الخارجية السوري وليد المعلّم. فقد اعتمدت “سوريا الأسد” لخارجيتها وزراء من دون شوارب، في حرص واضح ليكونوا في تماسهم مع الغرب متخففين من رمز ذكوري سلطوي معتمد في صورة الرجل الحاكم في الديكتاتوريات البعثية، من صدام حسين في العراق إلى حافظ الأسد في سوريا وصولاً إلى بشار.
والمفارقة هذه تطال ثلاثة وزراء تعاقبوا على حقيبة “الخارجية” منذ استلام آل الأسد الحكم في سوريا، وثلاثتهم، عبد الحليم خدام، فاروق الشرع ووليد المعلم، كانوا من دون شوارب. لقد تركوا (خلّوا) الشوارب (على جنب) للداخل السوري، للقبضة الأمنية، وللضباط وطبعاً للحاكم الديكتاتور في تعاملهم جميعاً مع الشعب السوري، فيما تُحلق الشوارب للتعامل مع الخارج.
في صورة “رسمية” لعائلة حافظ الأسد مؤرخة قبل العام 1994، يبدو فيها حافظ جالساً إلى جانب زوجته انيسة، وخلفهما يقف كل من ماهر وبشار وباسل وماجد وبشرى الأسد. الذكور كلهم في الصورة يحتفظون بشواربهم، بما في ذلك حافظ وقد بدا شارباه خفيفين بسبب الشيب الذي غزاهما. وجميع من في الصورة يبدون متجهّمين ما عدا انفراجة في وجه ماجد وابتسامة واضحة على وجه بشرى. وكلاهما، ماجد وبشرى لم يعملا بشكل مباشر في السياسة، ولم تكن لهما أدوار أمنية أو عسكرية معروفة في العائلة الأسدية. فيما بقية الأخوة الذكور، من باسل الذي كان يفترض ان يرث حافظ وتوفي بحادث سير بعد التقاط الصورة على الغالب بفترة قصيرة، إلى ماهر الذي لعب ويلعب دوراً كبيراً في قيادة القوات المسلحة السورية وهو المسؤول عن الحرس الجمهوري وقائد الفرقة الرابعة المدرعة، إلى بشار الذي ورث والده بعد وفاته في العام 2000، كلهم متجهّمو الوجوه ينظرون إلى الكاميرا نظرة متعالية، كما لو كان الشعب كله مسجوناً في عدستها.
الاخوة الثلاثة، باسل، ماهر وبشار، في هذه الصورة، مع شواربهم، وتجهّمهم، يعكسون المنطق البطريركي الذكوري في حكم سوريا وشعبها، في وقت تعكس صور وزراء الخارجية الثلاثة، خدام والشرع والمعلّم، المنطق التفاوضي التنازلي للنظام السوري في علاقاته الخارجية في سبيل الحفاظ على رأسه. حتى الممثل الدائم لسوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري يعتمد “لوك معاصر” أقرب إلى الغرب معتمداً “السكسوكة” دوناً عن الشاربين، ولا تخترق هذه “القاعدة” سوى اسثتناءات بسيطة من هنا وهناك، فغازي كنعان الأمني الذي حكم لبنان عبر ترؤسه شعبة الاستخبارات العسكرية في لبنان، ثم عاد وعُين وزيراً للداخلية في عهد بشار الأسد، كان من دون شوارب، ربما لقربه من خدّام، وهذا القرب هو الذي تسبب، على الغالب، بـ”انتحاره”.
ومع الصورة “الرسمية” هذه لآل الأسد مجموعين، تبدو المقارنة مغرية مع صورة أخرى لبشار الأسد وزوجته أسماء مع طفليهما، تصدّرت غلاف مجلة “لها” اللندنية التابعة لصحيفة “الحياة” في ديسمبر 2002، خلال زيارة الأسد وزوجته إلى العاصمة البريطانية ولقائهما بالملكة ايليزابيث ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير. والصورة حملت شحنة كبيرة من الفرح والتلقائية والبساطة، وبدا فيها الأسد كأنه يقدم مع عائلته صورة “غربية” تحاول كسر الصورة النمطية والتقليدية عن ديكتاتورية آل الأسد. بدا الأسد في الصورة أباً وزوجاً وحبيباً وشاباً مفعماً بالحب والبهجة، وبدا شارباه متخففان من الصرامة التي يبدوان عليها في صورته خلف ابيه وامه في صورة العائلة الأسدية. الصورة التقطها المصور السوري عمار عبد ربه الذي كان من القلة التي سُمح لها بتصوير الرئيس وعائلته، وتفاجأ عمار بعد نشر الصورة على غلاف المجلة، أنها مُنعت من التوزيع في سوريا. قرر النظام السوري أن الصورة هذه ليست للداخل، بل حصرية للخارج.
كان الأسد في هذه الصورة، يغنّي للغرب مع طوني حنا: “لا تحلفوني بالشنب… وخلو الشوارب عجنب”. لكنه في الآن عينه، كان يقول للداخل بلهجة صارمة ديكتاتورية تشبه لغة أبيه وتشبه نظرته في الصورة الأسدية خلف أبيه: “ايدي عشواربي… إلى الأبد”!
Social Links: