سوريا_علي سفر
وتأتي من التفاصيل شرور كثيرة، ليس أقلها أن كثيرين، وبعد عشر سنوات من مأساتنا الأكبر في تاريخنا المعاصر، باتوا يتحدثون الآن عن السيئ والأقل سوءاً، بين الخيارات المتاحة أمام السوريين!
وبحسب هذا المنحى الذهني الخاضع لضغوطات الخسارات المتلاحقة، فإن القبول بمشروع جماعة أو فصيل، حزب أو جبهة، فرض نفسه على الآخرين بقوة السلاح، وليس بقوة التأييد الشعبي، أو عدالة المطالب، أو مصداقية الأهداف، بات نهجاً واقعياً، يجب أن نتعاطى معه بجدية، وعلينا ألا نسخر من أصحابه، وإلا فإننا سنواجه بتهمة التنمر، أو بالتسلط والديكتاتورية وعدم احترام الرأي الآخر!
فعلياً، ودون مجاملات، أجزم بأن كل المشاريع السياسية المفروضة على الأرض السورية بقوة السلاح هي واجهات لجماعات غير ذات شرعية، لا تملك سنداً يحميها، سوى ما تمتلك من القوة!
لقد ذهب الزمن الذي كنا نتحدث فيه عن مشروعية للسلاح الثائر في وجه النظام، بعد أن تم الاستيلاء على فكرة الجيش الحر، لصالح الفصائل الجهادية، وجرت بعثرة أفراده الناجين من المقتلة، وتنحيتهم، فصاروا إما لاجئين مثلهم مثل غيرهم من السوريين، أو عاملين في هذا الفصيل أو ذاك وفق شروطه، وتحت رايته!
وقد اكتملت كوارث الباقين من الثائرين الذين رفعوا راية الثورة مرةً، عندما قادت روسيا جيش النظام والمرتزقة المساندين له، في حملات دموية متتالية استهدفت المدن والمناطق التي كانت قد خرجت عن سيطرة النظام، فاستولت عليها، فاضطر المدافعون عنها للرحيل إلى محافظة إدلب.
ومرةً ثانيةً، عندما ابتلعت جبهة النصرة التي سمت نفسها (هيئة تحرير الشام) كل الفصائل الأخرى، فبدأت بالفصائل غير الجهادية، وأكملت على الباقين، وصارت هي قوة الأمر الواقع، التي تفرض سياستها وتوجهها، وأيضاً حكومتها التي تحمل اسم حكومة الإنقاذ!
وإذا وسعنا الدائرة قليلاً، هل سنعتبر أن الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف، والتي لا تسيطر على أي شيء قوة شرعية؟! وينطبق الكلام ذاته على ما يسمى بالجيش الوطني!
وإذا ذهبنا شرقاً وشمالاً، سنسأل ذات السؤال عمن يسيطر على مناطق الجزيرة، إن كان اسمه قوات سوريا الديمقراطية أو وحدات حماية الشعب أو غير ذلك!
وكخلاصة واضحة، نقول: لا أحد يملك شرعية تمثيل أحد على الأرض السورية!
لقد أسقطت الثورة شرعية نظام قمع وقتل شعبه، فبات من المستحيل، أو لنقل من الصعب أن يتم تعويمه حتى وإن استبدلت واجهاته
لقد أسقطت الثورة شرعية نظام قمع وقتل شعبه، فبات من المستحيل، أو لنقل من الصعب أن يتم تعويمه حتى وإن استبدلت واجهاته! فمئات آلاف الشهداء، مازالوا يعيشون معنا، ينظرون في وجوهنا، عيونهم في عيوننا، يمنعوننا وبعد عقد من الموت اليومي من الاستسلام والرضوخ لإملاءات القبول بحلول لا تضمن رحيل القتلة!
أفكار هذه الثورة، ونبلها، وطهارتها، ستنهي أي محاولة لمنح هذه الجهة أو تلك تيجاناً تميزها عن غيرها، أو تحصنها من النقد والمساءلة، طالما أن هؤلاء جميعهم لم يتركوا أي معارض لهم لم يمنحوه حصته من القمع والإرهاب!
شيطان التفاصيل الذي يطلق علينا شروره هذه الأيام يمكن لنا أن نضع تمثلاته أمامنا كي لا يختل ميزان التقييم ولا تتشوش معاييره؛
بدأت الحكاية الدموية في سوريا من قرار اتخذه النظام بتصفية الثورة عبر القمع والإرهاب، وتشويه روحها وأفكارها وأفقها المدني الديمقراطي عبر طليها بالواجهات المنفرة، ابتداءً بالسلفية الجهادية، مروراً بالطائفية، وليس انتهاءً بالتوجهات الفئوية والمناطقية! ومنذ الأيام الأولى لحراك السوريين وحتى اللحظة لم يتوقف الضخ الإعلامي الذي يشككك بعدالة الثورة، ويخرب صور الفاعلين فيها!
جوهر ما اشتغل عليه النظام قاله شبيحته حينما رفعوا شعار “الأسد أو نحرق البلد”! لقد كان ترجمة لخطابه حين يقول: “إما أنا وإما الخراب، فإن كنتُ سيئاً، سترون مدى سوء الآخرين، وبعد ذلك ستختارون”!
طبعاً، حتى اللحظة لا نعثر على أي جهة أو تيار يتحدث عن فضائل النظام، أمام مساوئ الآخرين، فالجميع يعرف أن ما بلغه الأسد من فجور ودموية، لم تبلغه أي قوة أخرى على الأرض، ولكن هذا لا يعني براءة الآخرين من جرائمهم، لا بل إن مجرد قيام هذا الفصيل أو ذلك الجيش أو الجبهة بأفعال تشبه ما فعله النظام، وإن على حجم ضيق -ويا لبؤسنا حين نقيس الجرائم ضد السوريين بالأحجام-يضعهم معه على الأرضية ذاتها في ضرورة المحاكمة لجهة الجرائم المادية والأخلاقية!
ومن تمثلات شرور التفاصيل أيضاً أن يغمض البعض عيونهم عن بعض الجرائم المرتكبة في سوريا، وأن يفتحوها على بعضها الآخر! وأن تخضع مسألة إدانة الانتهاكات أياً كان مرتكبها، للمساومات المصلحية، وكل ذلك تحت ستار تخير الأقل سوءاً من بين كل السيئين!
سينتصر علينا شيطان الكارثة السورية، حينما سيتنازل المثقفون أصحاب الإرادات النقدية عن مساحاتهم، فيلقون بأنفسهم في هذا البلاط أو ذاك، ليصبحوا مطبلين له، بينما يتجولون بخيلاء أمام الجمهور، ويقفون على المنابر يوزعون صكوك الغفران هنا وهناك!
سوريا
وتأتي من التفاصيل شرور كثيرة، ليس أقلها أن كثيرين، وبعد عشر سنوات من مأساتنا الأكبر في تاريخنا المعاصر، باتوا يتحدثون الآن عن السيئ والأقل سوءاً، بين الخيارات المتاحة أمام السوريين!
وبحسب هذا المنحى الذهني الخاضع لضغوطات الخسارات المتلاحقة، فإن القبول بمشروع جماعة أو فصيل، حزب أو جبهة، فرض نفسه على الآخرين بقوة السلاح، وليس بقوة التأييد الشعبي، أو عدالة المطالب، أو مصداقية الأهداف، بات نهجاً واقعياً، يجب أن نتعاطى معه بجدية، وعلينا ألا نسخر من أصحابه، وإلا فإننا سنواجه بتهمة التنمر، أو بالتسلط والديكتاتورية وعدم احترام الرأي الآخر!
فعلياً، ودون مجاملات، أجزم بأن كل المشاريع السياسية المفروضة على الأرض السورية بقوة السلاح هي واجهات لجماعات غير ذات شرعية، لا تملك سنداً يحميها، سوى ما تمتلك من القوة!
لقد ذهب الزمن الذي كنا نتحدث فيه عن مشروعية للسلاح الثائر في وجه النظام، بعد أن تم الاستيلاء على فكرة الجيش الحر، لصالح الفصائل الجهادية، وجرت بعثرة أفراده الناجين من المقتلة، وتنحيتهم، فصاروا إما لاجئين مثلهم مثل غيرهم من السوريين، أو عاملين في هذا الفصيل أو ذاك وفق شروطه، وتحت رايته!
وقد اكتملت كوارث الباقين من الثائرين الذين رفعوا راية الثورة مرةً، عندما قادت روسيا جيش النظام والمرتزقة المساندين له، في حملات دموية متتالية استهدفت المدن والمناطق التي كانت قد خرجت عن سيطرة النظام، فاستولت عليها، فاضطر المدافعون عنها للرحيل إلى محافظة إدلب.
ومرةً ثانيةً، عندما ابتلعت جبهة النصرة التي سمت نفسها (هيئة تحرير الشام) كل الفصائل الأخرى، فبدأت بالفصائل غير الجهادية، وأكملت على الباقين، وصارت هي قوة الأمر الواقع، التي تفرض سياستها وتوجهها، وأيضاً حكومتها التي تحمل اسم حكومة الإنقاذ!
وإذا وسعنا الدائرة قليلاً، هل سنعتبر أن الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف، والتي لا تسيطر على أي شيء قوة شرعية؟! وينطبق الكلام ذاته على ما يسمى بالجيش الوطني!
وإذا ذهبنا شرقاً وشمالاً، سنسأل ذات السؤال عمن يسيطر على مناطق الجزيرة، إن كان اسمه قوات سوريا الديمقراطية أو وحدات حماية الشعب أو غير ذلك!
وكخلاصة واضحة، نقول: لا أحد يملك شرعية تمثيل أحد على الأرض السورية!
لقد أسقطت الثورة شرعية نظام قمع وقتل شعبه، فبات من المستحيل، أو لنقل من الصعب أن يتم تعويمه حتى وإن استبدلت واجهاته
لقد أسقطت الثورة شرعية نظام قمع وقتل شعبه، فبات من المستحيل، أو لنقل من الصعب أن يتم تعويمه حتى وإن استبدلت واجهاته! فمئات آلاف الشهداء، مازالوا يعيشون معنا، ينظرون في وجوهنا، عيونهم في عيوننا، يمنعوننا وبعد عقد من الموت اليومي من الاستسلام والرضوخ لإملاءات القبول بحلول لا تضمن رحيل القتلة!
أفكار هذه الثورة، ونبلها، وطهارتها، ستنهي أي محاولة لمنح هذه الجهة أو تلك تيجاناً تميزها عن غيرها، أو تحصنها من النقد والمساءلة، طالما أن هؤلاء جميعهم لم يتركوا أي معارض لهم لم يمنحوه حصته من القمع والإرهاب!
شيطان التفاصيل الذي يطلق علينا شروره هذه الأيام يمكن لنا أن نضع تمثلاته أمامنا كي لا يختل ميزان التقييم ولا تتشوش معاييره؛
بدأت الحكاية الدموية في سوريا من قرار اتخذه النظام بتصفية الثورة عبر القمع والإرهاب، وتشويه روحها وأفكارها وأفقها المدني الديمقراطي عبر طليها بالواجهات المنفرة، ابتداءً بالسلفية الجهادية، مروراً بالطائفية، وليس انتهاءً بالتوجهات الفئوية والمناطقية! ومنذ الأيام الأولى لحراك السوريين وحتى اللحظة لم يتوقف الضخ الإعلامي الذي يشككك بعدالة الثورة، ويخرب صور الفاعلين فيها!
جوهر ما اشتغل عليه النظام قاله شبيحته حينما رفعوا شعار “الأسد أو نحرق البلد”! لقد كان ترجمة لخطابه حين يقول: “إما أنا وإما الخراب، فإن كنتُ سيئاً، سترون مدى سوء الآخرين، وبعد ذلك ستختارون”!
طبعاً، حتى اللحظة لا نعثر على أي جهة أو تيار يتحدث عن فضائل النظام، أمام مساوئ الآخرين، فالجميع يعرف أن ما بلغه الأسد من فجور ودموية، لم تبلغه أي قوة أخرى على الأرض، ولكن هذا لا يعني براءة الآخرين من جرائمهم، لا بل إن مجرد قيام هذا الفصيل أو ذلك الجيش أو الجبهة بأفعال تشبه ما فعله النظام، وإن على حجم ضيق -ويا لبؤسنا حين نقيس الجرائم ضد السوريين بالأحجام-يضعهم معه على الأرضية ذاتها في ضرورة المحاكمة لجهة الجرائم المادية والأخلاقية!
ومن تمثلات شرور التفاصيل أيضاً أن يغمض البعض عيونهم عن بعض الجرائم المرتكبة في سوريا، وأن يفتحوها على بعضها الآخر! وأن تخضع مسألة إدانة الانتهاكات أياً كان مرتكبها، للمساومات المصلحية، وكل ذلك تحت ستار تخير الأقل سوءاً من بين كل السيئين!
سينتصر علينا شيطان الكارثة السورية، حينما سيتنازل المثقفون أصحاب الإرادات النقدية عن مساحاتهم، فيلقون بأنفسهم في هذا البلاط أو ذاك، ليصبحوا مطبلين له، بينما يتجولون بخيلاء أمام الجمهور، ويقفون على المنابر يوزعون صكوك الغفران هنا وهناك!
Social Links: