هل يريد الماركسيون حظر الدين؟

هل يريد الماركسيون حظر الدين؟

إعداد: منظمة النداء الاشتراكي

-الفرع البريطاني للتيار الماركسي الأممي-

ترجمة: أنس رحيمي

على الرغم من أن الماركسية فلسفة إلحادية حازمة، إلا أن الماركسيين الحقيقيين لم يرغبوا أبدا في “حظر الدين”، بل على العكس من ذلك لقد دافع الماركسيون دائما عن حق الناس في ممارسة أي دين يريدون. هذا حق ديمقراطي أساسي.

يأتي هذا المفهوم الخاطئ من محاولات الأنظمة البيروقراطية الستالينية قمع ممارسة الأديان. وبالنظر إلى أنه يستحيل حظر الأفكار، فقد كانت مثل تلك السياسة جزءا من محاولات البيروقراطية لتضييق الخناق على كل الحريات الديمقراطية التي ترى أنها قد تشكل تحديا لنظام حكمها.

لكن صحيح أن الماركسيين يدافعون عن ضرورة فصل الدين بشكل تام عن الدولة، وهذا بدوره مبدأ ديمقراطي. يجب ألا تتمتع الأديان والمؤسسات الدينية بأي امتيازات أو سلطة خاصة، مالية كانت أو غير ذلك، ويجب ألا يُسمح لها بإدارة المدارس والخدمات العامة، إلخ.

يدافع الماركسيون عن أقصى قدر من وحدة الطبقة العاملة في النضال ضد الرأسمالية. والانقسامات الدينية -وجميع الانقسامات الأخرى، سواء كانت على أساس الجنس أو الاثنية أو الجنسية، إلخ- لا تؤدي إلا إلى تفريق صفوفنا. إننا نرحب بجميع المناضلين الشرفاء في صفوفنا، بغض النظر عن خلفيتهم الدينية.

لكن هذا لا يعني أننا قد نقدم تنازلات للأفكار الدينية في ما يخص فلسفة أو برنامج حركتنا. إننا لا نحاول الاقتصار على بعض الإصلاحات الطفيفة للنظام الرأسمالي، بل نسعى لإسقاطه بالكامل. لذلك نحن بحاجة إلى أفكار وتكتيكات واضحة، والتي يجب أن تستند إلى دراسة علمية للصراع الطبقي. ولا يمكن لأي تصوف أو خرافات إلا أن يضر بمهمتنا هذه.

يجب أن نشير إلى أنه في جميع الأديان توجد دائما “مؤسستان دينيتان” تتعارض مصالحهما. هناك أقلية على رأس المؤسسة تربطها آلاف الخيوط بالطبقة السائدة. أعضاء تلك المؤسسة يستفيدون هم أنفسهم من الوضع الراهن، فيستخدمون الدين للتبشير بالسلبية، وذلك لإخماد لهيب الصراع الطبقي. إذا هاجمك البلطجية اليمينيون: “أدر خدك الآخر لهم”، وقابل رب عملك الذي يستغلك “بالمحبة والمغفرة”.

وعلى الجانب الآخر توجد الغالبية العظمى من المؤمنين الذين يرون في دينهم طريقا إلى عالم أفضل (ولو حتى بعد الموت). لهؤلاء نقول: احذروا من أي زعيم ديني يحاول إبعادكم عن الصراع الطبقي، اعتمدوا فقط على قوتكم: قوة الطبقة العاملة المنظمة!

الماركسية فلسفة علمية. لا نحتاج للجوء إلى ما هو غيبي لكي نفهم العالم ونعمل على تغييره. ومع ذلك فإنه لا تربطنا أية علاقة مع “الملحدين الجدد”، مثل ريتشارد دوكينز، الذين يعتقدون أنه سيتم التغلب على الآراء الدينية من خلال “الحجة العقلانية” والدعاية.

وبدلا من ذلك فإن الماركسيين يدركون أن للدين قاعدة مادية داخل المجتمع. إنه يلبي حاجة اجتماعية قوية. فعندما يواجه ملايير البشر حياة قاتمة للغاية في هذا العالم، في مواجهة الفقر المستشري وانعدام الأمان والاستيلاب، يصير الوعد بجنة بعد الموت أمرا جذابا للغاية.

ولهذا السبب كتب ماركس: «إن المعاناة الدينية هي تعبير عن معاناة حقيقية، وفي نفس الوقت احتجاج على معاناة حقيقية. الدين هو زفرة المخلوق المضطهَد، وقلب عالم بلا قلب، وروح ظروف بلا روح، إنه أفيون الشعب».

ولذلك فإن أي صراع حقيقي ضد الأفكار الصوفية للدين يجب أن يتوجه في المقام الأول ضد الشروط التي تؤدي إلى ظهور تلك الأفكار. وهذا يعني النضال الحازم للإطاحة بالنظام الرأسمالي الذي هو مصدر الاضطهاد والمعاناة التي يواجهها ملايير البشر.

في ظل الرأسمالية يبدو أن هناك قوى غيبية تتحكم بنا. لقد أصبح الملايين عاطلين عن العمل، وذلك على ما يبدو بسبب “اليد الخفية” للسوق. كما يموت الملايين بسبب الحروب والأمراض والفقر. وبسبب عدم قدرتنا على التحكم في مصيرنا، من المحتم أن يبحث الكثيرون عن تفسير روحي لهذه الأشياء ويجدوها في يد إله ما.

لكن في ظل الرقابة الديمقراطية للطبقة العاملة على الاقتصاد، سيمكننا وضع حد لفظائع المجتمع الطبقي هذه. وعندما سيصير لكل فرد تحكم حقيقي في زمام حياته، لن تكون هناك حاجة بعد ذلك للبحث عن ملاذ في الأفكار الصوفية. وإذا تمكنا من إنشاء جنة في هذا العالم، لن تكون هناك حاجة لتعزية أنفسنا بوعد بجنة بعد الموت. لن يتم حظر الدين في ظل الاشتراكية، بل سوف يتلاشى من تلقاء نفسه.

  • Social Links:

Leave a Reply