فيصل المقداد يتذكر بشرّي وينسى درعا

فيصل المقداد يتذكر بشرّي وينسى درعا

يوسف بزي _ المدن

حين كان حافظ الأسد يشن معاركه الدموية ضد الفلسطينيين، قتلاً وتشريداً، كانت وكالة “سانا” السورية تستنكر القمع العنيف الذي تمارسه إسرائيل ضد الناشطين الفلسطينيين. ظلت هذه السياسة الدنيئة على امتداد عقود، وكان شاهدها الأخير مخيم اليرموك قرب دمشق ويومياته مع القتل والتجويع على يد قوات بشار الأسد.

على منوال وكالة “سانا” أيضاً، كان مبعوث الأسد إلى الأمم المتحدة يتفاصح في حقوق الإنسان وفي محاربة الإرهاب، فيما كانت دولته تشن حملة إبادة وتطهير على نطاق واسع، في أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، وفق الأمم المتحدة وتقاريرها.

في معظم الاستطلاعات والإحصاءات التي أجرتها مؤسسات دولية مختلفة، أبدى أكثر من 90 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان خشيتهم من العودة إلى بلداتهم وقراهم ومدنهم التي يسيطر عليها جيش النظام. كما أن هذه النسبة نفسها أحالت سبب نزوحهم من بلدهم، ولجوئهم إلى لبنان، إلى هربهم من بطش النظام وتنكيله بهم. ثم أن 95 في المئة من هؤلاء أبدوا رغبتهم الدائمة بالعودة إلى ديارهم وعدم البقاء في لبنان في حال توفرت لهم شروط العودة الآمنة. كذلك، فالشطر الأعظم من هؤلاء النازحين هم سكان المناطق المتاخمة للبنان، وهي على الأغلب مدمرة على نحو شامل، وتحتلها ميليشيات لبنانية تحديداً.

الأدهى من ذلك، ليس فقط أن هذه الميليشيات تمنع عودة السكان، بل إن النظام نفسه وإزاء “مبادرات” رسمية لبنانية لتنظيم “عودة طوعية” للاجئين تولاها “الأمن العام” اللبناني، فرض شروطاً تعجيزية أدت إلى فشل هذه المبادرات وتوقفها. والمخيب في الأمر، أن المخدوعين المساكين ممن عادوا عبر تلك الباصات الخضراء، لاقوا مصيراً سيئاً بين مقرات المخابرات أو ثكنات التجنيد الإجباري أو مخيمات الاستيعاب الأشبه بالمعتقلات الجماعية.

خلال تسع سنوات، عاش اللاجئون السوريون في لبنان ضروباً من التمييز والعنصرية تُضاف إلى الاستغلال والاستضعاف والمهانة، وفوقها ظروفاً اقتصادية بالغة السوء في المعيشة والرعاية الصحية والتعليمية والسكن، عدا وطأة اللجوء والاقتلاع والتشرد. لكن في المقابل، ليس مكوثهم في لبنان جحيماً مطلقاً وموتاً يومياً كما كانت أحوالهم مع نظام البراميل والسارين والكلور.. وبحد أدنى، الخوف على حياتهم وخطر الجوع والإدقاع التام أقل بكثير مما لو بقوا في سوريا الأسد. بل وفي أحيان كثيرة، وجد هؤلاء اللاجئون في مجتمعات محلية لبنانية احتضاناً وتعاطفاً إلى حد الشراكة في العمل والسكن والعلاقات، كما أن المنظمات الدولية عملت بحرية كبيرة في دعمهم وإغاثتهم وتدبير شؤون مخيماتهم واحتياجاتهم. وهذا بالمحصلة، أعانهم على البقاء كل هذه السنوات بعيداً عن الحرب التي شنها عليهم بشار الأسد.

ما يجب التوكيد عليه في كل لحظة، أن ملايين السوريين اللاجئين في كل مكان ليسوا هاربين إلا من النظام وجيشه وحلفائه من ميليشيات لبنانية وعراقية وإيرانية، وأيضاً من الحملة العسكرية الرهيبة التي شنتها روسيا عليهم. وعلى هذه الحقيقة وحدها يمكن الرد على دناءة وزارة الخارجية السورية.

وزير الخارجية السوري الجديد، فيصل المقداد، طالب ببيانٍ السلطاتَ اللبنانية بوضع حد “للإساءة للاجئين السوريين والقيام بواجباتها بحماية المواطنين السوريين المتواجدين في لبنان”، على خلفية تداعيات جريمة بشرّي. الوزير إياه، هو الذي يعرف أكثر من غيره ما حدث لأحد أقاربه الشبان الذي اعتقلوا في درعا ونجا بأعجوبة من الموت في إحدى عمليات الإعدام الجماعي. يعرف الوزير أن قريبه الذي لم يكن يتجاوز عمر 21 عاماً كانت تهمته تصوير التظاهرات. وبعد أن انتشله أحد العابرين من بين الجثث وتمت معالجته سراً وتهريبه إلى الأردن، هو الآن واحد من ملايين الهاربين من نظامه تحديداً، لا من عدو غامض أو من حرب مجهولة. يعرف المقداد بكل يقين أنه لا يستطيع إنقاذ لاجئ واحد من عائلته من براثن رجال الأسد. وبيانه هو دليل أن وراثته لوليد المعلم استحقها كمحترف استغباء العالم، كديبلوماسي عديم اللياقة.

نص البيان صحيح لو صدر عن أي جهة في العالم. فمن المشين الإساءة للاجئين ومن المشين للسلطات اللبنانية عجزها عن حماية الضعفاء والمنكوبين. لكن كاتب هذا البيان وحكومته وأجهزته هم الذين ارتكبوا جريمة قتل سوريا كلها، وأهدروا حقوق السوريين وكرامتهم.

  • Social Links:

Leave a Reply