أملاك السوريين ضحية التزوير داخل مؤسسات القضاء السورية

أملاك السوريين ضحية التزوير داخل مؤسسات القضاء السورية

عنب بلدي – صالح ملص

 

في عام 2018، ارتفع عدد الشكاوى المقدمة ضد القضاة في سوريا إلى 460 شكوى، واعتبر رئيس إدارة التفتيش القضائي، عبد الناصر غليون، حينها أن هذا الرقم كبير مقارنة بالأعوام الماضية، وأن معظم هذه الشكاوى تصلح أن تكون سببًا للطعن أو الاستئناف بكل ما يتعلق بقرار الحكم، ووعد بأن تكون تلك الشكاوى أساسًا لمراقبة مستوى عمل القضاة.

 

لم يكن رقم الشكاوى قبل عامين كفيلًا بسد ثغرات الفساد داخل المنظومة القضائية السورية، كي تسير بشكل متوازن لخدمة القانون ومصلحة المجتمع، بل زاد انحراف بعض العاملين في القضاء عن أحكام القانون وأخلاقيات المهنة، حتى وصل إلى انتزاع الأملاك العقارية لسوريين من دون علمهم، ونقلها إلى ملكية أشخاص آخرين بناء على وكالات وأحكام قضائية مزوّرة، لتضيع في النهاية أملاكهم لعدم استطاعتهم استرجاعها وسط تعقيد تحقيق تلك الغاية.

 

في تشرين الثاني الحالي، تحدث وزير العدل في حكومة النظام السوري، أحمد السيد، عن محاكمات قريبة بحق قضاة أصدروا أحكامًا قضائية بنقل ملكية عقارات بناء على وكالات مزوّرة، بحسب ما نشرته صحيفة “الوطن” المحلية على لسان الوزير.

 

وقال السيد، إن “عددًا من القضاة هم حاليًا تحت المحاكمة في مجلس القضاء الأعلى، لأنهم أصدروا بعض الأحكام القضائية القاضية بنقل ملكية عقارات إلى أشخاص آخرين بناء على وكالات مزوّرة”.

 

الملكية انتقلت بالتزوير.. هل يتأثر مركزها القانوني؟

يعتبر المبدأ القانوني أن “ما بني على باطل فهو باطل” أساسًا في نقاش أي عملية تزوير لتصرفات الأشخاص بين بعضهم، فالتزوير هو خلاف الحقيقة، ولا يغير أي مركز قانوني لشيء معيّن.

 

ففي حالة انتقال ملكية عقار ما إلى شخص سيئ النية عن طريق التزوير، يمكن أن يستند صاحب العقار الأصلي لإثبات تملّك عقاره، من خلال توثيق تلك الملكية في السجل العقاري، وتعود الملكية العقارية لصاحبها من دون التأثر بأي تصرفات غير قانونية طرأت على هذا العقار.

 

الإشكالية القانونية في حالات طلب رد الحقوق العينية المنتقلة عن طريق التزوير لأصحابها تكون حين ينتقل العقار إلى شخص حسن النية، ولا علم له بحادثة التزوير، وفق ما ذكره حقوقي مطلع في دمشق، لعنب بلدي، ففي هذه الحالة يصطدم طلب رد الملكيات العقارية المنتقلة عن طريق التزوير إلى أصحابها الأصليين مع مبدأ حسن النية في إبرام التصرفات والمعاملات القانونية، إذ عارضت المبادئ القانونية المدنية كل فعل يتعارض مع حسن النية.

 

وكما أن الأصل في العقد أنه “شريعة المتعاقدين”، فإن مبدأ حسن النية يعد عنصرًا أساسيًا من عناصر هذه القاعدة، فحسن النية هو تعبير عن المحافظة على الثقة والصدق في التعامل بين أطراف أي عقد، ومن ضمنها عقود بيع العقارات، ويستلزم الأمانة والإخلاص والنزاهة في تنفيذ الالتزامات المترتبة على كل طرف من أطراف العقد.

 

وبناء على ذلك، فإن طلب رد العقار في حال انتقاله إلى شخص حسن النية، حتى وإن كان عن طريق التزوير، هو طلب يصعب تحقيقه وسط تعقيد المبادئ القانونية في ذلك، التي تحدث بعضها عن حجية التوثيق في السجل العقاري على أنها حجية مطلقة لا يُنازعها أي مبدأ قانوني آخر، ومن جهة أخرى أوصت بعض المبادئ القانونية الأخرى بحماية التصرفات القائمة على مبدأ حسن النية، وفق ما قاله الحقوقي.

 

ويمكن أيضًا إرجاع العقار إلى صاحبه الأصلي مع طلب تعويض الشخص حسن النية بالرجوع إلى الجهة التي باعت العقار بناء على وكالة مزوّرة، ولكن حتى هذا التعويض، برأي الحقوقي، لا يوفي الشخص الثمن الحقيقي للعقار، ويظل حقه منقوصًا.

 

المسؤولية على القاضي وموظفي السجل العقاري

من حيث المبدأ، يتعيّن على القاضي الناظر بدعوى تثبيت بيع عقار إذا كان البيع تم قضائيًا، أو على مدير الشعبة العقارية الذي تتم أمامه عملية الفراغ ونقل الملكية إذا كان البيع يتم بشكل مباشر في دائرة السجل العقاري بين البائع المالك والمشتري، أن يبذلا العناية اللازمة للتثبت من سلامة وصحة جميع الأوراق المدرجة ضمن ملف بيع العقار، بحسب حديث المحامي السوري ورئيس “تجمع المحاميين السويين”، غزوان قرنفل، إلى عنب بلدي.

 

ويجب التحقق من الوكالة المبرزة التي تخوّل بيع العقار لشخص ما، سواء لجهة الصلاحيات المتضمنة فيها أو مصدرها أو استمرارها (لم يجرِ عليها عزل) أو تاريخ حديث لآخر تصديق لها، وبعد ذلك يتم استكمال إجراءات نقل الملكية، وفق قرنفل.

 

وإذا بقي العقار المباع بموجب تلك الوكالة باسم المشتري، وانتبه المالك الحقيقي إلى أن عقاره بيع من دون علمه، يمكنه المسارعة، بحسب قول قرنفل، لإقامة دعوى فسخ تسجيل واسترداد عقاره.

 

ولا يستطيع المالك الحقيقي للعقار الذي بيع دون علمه أن يسترد عقاره إذا انتقل العقار إلى شخص حسن النية، “إلا إذا أثبت صاحب العقار أن آخر مشترٍ هو سيئ النية، وهذا ليس من السهل إثباته”، برأي المحامي قرنفل، وبالتالي يفقد صاحب العقار ملكيته ويبقى حقه مقتصرًا على الثمن بمواجهة البائع أو البائعين بالوكالة المزوّرة.

 

في كثير من الأوقات التي تُرتكب فيها جريمة التزوير، يكون فيها القاضي حسن النية فعلًا وغير ضالع بعملية التزوير أصلًا، ويبذل الجهد والعناية اللازمة في عمله للتثبت من صحة كل الأوراق والإجراءات، ومنها الوكالة، بحسب ما قاله قرنفل، فلا تقع على القاضي حسن النية مسؤولية جزائية في هذا الأمر، إنما يُكتفى بإجراء تأديبي بحقه كالنقل وتأخير الترقية الوظيفية، أو في أقصى الحالات العزل في حال ثبت ضلوعه في عملية التزوير سواء أكان فاعلًا أو شريكًا أو متدخلًا، وفي أغلب الأوقات يكون دور القاضي في عملية التزوير ثانويًا.

 

ولكن في بعض الأوقات، يُثبت علم القاضي واشتراكه الجرمي بعملية التزوير، فلا يُكتفى بعزله بل يحاكم جزائيًا على تلك الجريمة.

 

ويحاكم القضاة في سوريا وفق قانون “السلطة القضائية” رقم “98” لعام 1961، وتكون محاكماتهم سرية، رغم أن القانون منحهم حصانة مطلقة، لا تزول إلا في إحدى حالتين.

 

وتعتبر حالة الجرم المشهود هي أولى حالات رفع الحصانة عن القاضي، ففيها يعامل القاضي كغيره، ويمكن مباشرة الإجراءات الجزائية بحقه، بشرط إعلام أقرب قاضٍ بالأمر ليقوم بإعلام النائب العام، بحسب المادة رقم “116” من القانون.

 

أما في حالة الجرم غير المشهود، فيشترط الحصول على إذن من لجنة ثلاثية، مؤلفة من رئيس محكمة “النقض” واثنين من أقدم مستشاريها، أو بناء على طلب مجلس القضاء الأعلى، ويحاكم القضاة أمام الهيئة العامة لمحكمة “النقض”، وتكون مؤلفة من سبعة قضاة، بموجب المادة رقم “54” من القانون، التي تُفند اجتهادها الذي ينزل منزلة القانون، وتوضح الالتباس الحاصل في مفهوم القانون، وتضع محددات له.

 

“أريد مفتاحًا للقاضي”

صنفت “منظمة الشفافية الدولية”، ومقرها برلين، في تقريرها الصادر في كانون الثاني عام 2019، سوريا في المرتبة 178 برصيد 13 نقطة، وبهذا تكون سوريا في المركز قبل الأخير في قائمة التقرير السنوي لمؤشرات الفساد الذي تصدره المنظمة سنويًا، والذي يرصد حالتي الشفافية والفساد في 180 دولة في العالم.

 

وتراجعت سوريا وفق التقرير من المرتبة 144 برصيد 26 نقطة وفق الترتيب الصادر في العام 2012، لتصل إلى الترتيب الحالي، بعد تراجعها 13 نقطة.

 

وحلت سوريا خلال عام 2014 بالمرتبة 159 برصيد 20 نقطة، وفي 2015 بالمرتبة 154 برصيد 18 نقطة، وفي 2016 بالمرتبة 173 برصيد 18 نقطة، وفي 2017 بالمرتبة 178 برصيد 14 نقطة، وفي 2018 بالمرتبة 178 برصيد 13 نقطة.

 

وفي عام 2016، قال رئيس غرفة الجنايات في محكمة “النقض” السورية، أحمد البكري، لموقع “الاقتصادي” المحلي، إن “نسبة الرشى ازدادت خلال الأزمة عشرة أضعاف على ما كانت عليه سابقًا”، معتبرًا أن السبب هو ضعف الرقابة في بعض المناطق.

 

وينظر المجتمع السوري “نظرة سوداوية” تجاه القضاء وتجاه أي مؤسسة قضائية في سوريا، وهذا الأمر ليس بجديد، بحسب تقرير صادر عن “المنتدى القانوني السوري” عام 2018، إذ انتشرت الرشوة والمحسوبيات في أغلب القطاعات، إلا أن قطاع القضاء ناله النصيب الأكبر من ذلك.

 

وبدءًا من تعيين واختيار القضاة إلى توظيف المستخدمين والإجراءات التي أخذت شكل السرعة والبطء “استنادًا إلى الفكرة السائدة، أرغب بتوكيل محامٍ لا يعرف القانون بل يعرف القاضي”، وفق ما نشره التقرير، وعبارات أخرى تنال من هيبة العدالة مثل “أريد مفتاحًا للقاضي”، وإلى مثل ذلك مما أدى إلى انهيار العلاقة ما بين المجتمع والقضاء وضياع كثير من حقوق أشخاص “لا يملكون مفاتيح القضاة”، وعدم الثقة بين المحامي والموكل ما دامت كل الأمور تحل بالمال.

  • Social Links:

Leave a Reply