هؤلاء الذين ابتلتهم أقدارهم بحب الانسان والدفاع عن قضاياه عاشوا المأساة بمعانيها ودلالاتها وأعماقها .
لم تكن طريقهم ممهدة و الأنكى أنها كانت مظلمة . ليس من السهل تلمس معالمها – ان كان لها معالم حينها – فاصطبغت سيرتهم بتضاريس الطريق بكل ما تحتويه من تعرجات . ووضعوا معالم على تلك الطريق لتهتدي بها الاجيال السائرة على درب الانعتاق التاريخي من كل اشكل العبودية والقطيعية احقاقا لإنسانية الانسان .
أن تتبنى قضايا الانسان في مجتمعات لا تعترف لا بإنسانية الانسان ولا بتفرد الفرد بل تنظر اليه بوصفه رقما إضافيا في قطيع بشري يتوجب عليه السمع والطاعة وترديد الثغاء الموروث عن الآباء والأجداد . هذا يعني ان عليك ان تواجه ليس رعاة القطيع فقط بل والقطيع نفسه . عليك ان تنقل خطاك بحذر شديد في طريق كلها الغام متفجرة دائما وابدا .. كيف تبقى ؟ وكيف تحجز حيزا لك في هذا العدم اللانهائي ؟ وتحوله الى وجود حقيقي هذا ما سعى ذاك الرعيل من المقاومين ان يفعلوه . ومنهم الراحل منصور اتاسي
أن تولد في سنة النكبة فالقرار لك اذ تستطيع ان تجعل من الذكرى وقودا للرفض والبحث عن طرق الخلاص أو ذريعة للخنوع والسير مع التيار وان تكون بداية الشباب متزامنة مع النكسة فهذا عبء ليس من السهل حمله الا اذا كنت معبأ بقيم الحرية والعدالة …
خطأ الخيارات ليس مبررا لخطأ المواقف . أن تعتقد أن هذا الحزب بما يطرح من شعارات وما يقوم عليه من بنى فكرية ومعرفية هو ضالة العاشق فهذا لا يعني الا تبقى على عشقك وتمردك وثباتك على الحق ان اكتشفت أن القائمين على الحزب على نقيض الفكرة التي بني عليها الحزب او انهم بلحظة بدلوا أو هانوا أو طمعوا .
هكذا هي السيرة فالراحل ابو مطيع ولد عام النكبة وبدأت قناعاته تتشكل مع النكسة فكانتا دافعا له للبحث عن الحياه بالمعنى الانساني فظنها بالحزب الشيوعي السوري الذي رضيت قيادته – وعدد ليس قليلا من اعضائه – بعد سنوات فقط ان تكون في عداد القطيع الأسدي لكنه رفض ان يكون رقما في القطيع فكان متمردا ناقدا ساخطا دائما . لكن الخيارات كانت محدودة . بل ربما معدومة فاستمر صوت الحق وسط الثغاء والأمل وسط القطيع المدجن رغم ما تعرض له من مضايقات ، واستفزازات ، وتهميش .
بعد العام 2000 لاح وَهْمٌ في ليل سورية الطويل تعلق به كل الثكالى وحاولت الاشلاء لملمت بعضها وتضميد جراحها والنهوض مرة اخرى من تحت الرماد فاجتمعت اشلاء هنا واشلاء هناك في محاولة لاستعادة الاجساد الموءودة فكانت مساهمته في تشكيل ” اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ” وظلت الطريق متعرجة هابطة وصاعدة لا تلبي الطموح ولا تقود الى الهدف بسبب دخول العقلية السابقة التي تبحث عن الزعامات بأكثر مما تسعى للوصول الى الأهداف حتى انفجار الثورة العظيمة حين صارت الخيارات اوسع والطريق اوضح والعزيمة اقوى فانخرط في الثورة معرضا نفسه لكل المخاطر التي يمكن ان تقدم عليها العصابة المجرمة فكان نصيبه الاعتقال ثم الهجرة القسرية .
ليس المقام مقام عرض سيرة مناضل بحجم منصور اتاسي لكنها بعض الوقفات بهدف الاضاءة لا اكثر على سيرة الرجل الذي التقيته في عينتاب فأبهرني إيمانه الصلب بقضيته واصراره على العمل بكل الطاقة وطوال الوقت . بقي في عينتاب لأيام لم يهدأ أبدا . كنا نطوف على كل التجمعات السياسية والثقافية يدعوا الى التعاون والعمل المشترك ويبحث عن مشتركات واسس للبناء حتى ولو كانت محدودة .
طوال زياراته لعينتاب وترددي على اسطنبول لم يكن هناك فرق . العمل هو العمل والاصرار هو الاصرار والموقف هو الموقف .
الحجة سلاح المؤمنين في زمن غلبت فيه المصالح الضيقة الايمان ، والضحكة التي لا تفارقه وسعة الصدر التي تساعده على استيعاب الصدمات وتجاوز المهاترات وصولا الى الأهم وهو الموقف والاسس المشتركة .
لا للارتهان ، والتمويل بوابة الارتهان . الحزب ليس مكاتب بل مؤمنون يعملون في الشوارع والساحات نصرة لقضية شعبهم .
كم الأسى ، والحزن اللذان اظهرهما كل من التقى الراحل أبو مطيع ولو لمرة واحدة خير شهادة لسمو قامته الوطنية يغني عن كل مقال وأي رثاء …
المجد والخلود لذكراك منصور اتاسي .
ماجد العلوش
عينتاب 13 . 11 . 020
Social Links: