ذكريات قاهرية مع المرحوم ابو مطيع منصور الاتاسي.
في مثل هذه الايام تمر الذكرى الاولى لوفاة الصديق المرحوم ابو مطيع منصور الاتاسي الذي ترجل مبكرا بالوقت الذي نحن بحاجة ماسة لهذا الصرح الوطني.
تعرفت على ابو مطيع في القاهرة في بداية السنة الثانية للثورة وكنا نسكن بالصدفة في منطقة المعادي قرب المحكمة الدستورية ومشفى القوات المسلحة الذي كان يرقد به الرئيس المخلوع حسني مبارك بحجة العلاج. وكنا نلتقي بشكل متكرر في نفس المنطقة ونتكلم في السياسة لساعات طويلة وكان الرابط بيننا في البداية اننا مرنا بتجربة الاحزاب الشيوعية الايديولوجية، وبالنسبة لي بشكل خاطف بداية السبعينيات. وكان ابو مطيع قد اسس لقاء سياسي دوري مسائي للسوريين في وسط القاهرة وكان هذا النادي عبارة عن ملتقى لكل السوريين.
وكان ابو مطيع وقتها يعيش همّ تشكيل تياري سياسي يساري ديمقراطي وهمّ فهم الصراع والمشاركة فيه وايجاد اليات تنظيمية لجمع كل السوريين للالتقاء على برنامج وطني لان السياسة بدون تنظيم غير ممكنة، وقد بدا يتضح وقتها السقف المنخفض لهيئة التنسيق ايضا. وكان الحديث بيننا ديمقراطي مفتوح ومن دون مجاملات وكان الاتفاق بيننا على ابعاد الايديولوجيات عن اي العمل سياسي في الوقت الحالي والتلاقي على برنامج وطني على اعتبار ان الثورة في احد معانيها تحرر وطني لجمع كل القوى السورية لانجاز هذه المهمة. وقد اصبح واضحا ان الاخوان المسلمين والسلفيين احتلوا الارض وبدؤوا يسدون الفرغات في الداخل واصبحوا يمسكون الارض بشكل مسلح واصبح التوجة اسلامي جهادي ومن خلال الارضية الاسلامية تم ادخال اسلام القاعدة وتفرعاتها مثل داعش والنصرة وغيرهم.
وقد كانت لقاءاتنا في القاهرة جيدة وايجابية وكل منا لديه انطباع ايجابي عن الاخر.
والحقيقة انا اريد ان اتكلم عن الجانب السياسي العملي لدى الرفيق ابو مطيع والجانب الانساني العقلاني.
فقد كان المرحوم شخصية سياسية بامتياز ولديه صدر واسع جدا وطول نفس وصبر وثبات وقدرة فائقة على الاستماع وعلى الحوار بهدوء والمحافظة على الخيوط والتواصل مع الاخر وعلى المحافظة على اطار الاحترام واللطافة لان السياسة قبل ان تكون مصالح فهي ايضا مسؤولية اخلاقية وانسانية، وهذا ناتج عن خبرة وحسن تدبير وتعامل مع الواقع الصعب لوقت طويل. والحقيقة ان هذا الجانب العملي في التعاطي مع السياسة الذي يتقنه ابو مطيع هو قضية مهمة جدا لان السوريين لم يمارسوا السياسة بشكل عملي وحرموا منها لاكثر من خمسين عام بل تعاملهم في السياسة على عقلية ابيض او اسود وعلى خلفيات ايديولوجية.
فقد كان ابو مطيع شخصية مجمعة ولا يفهم السياسة ان تحصل على شيئ او لا شيء اطلاقا، او تغيير العالم بخمس دقائق او دفعة واحدة، لان السياسية فن الممكن وفن الاخذ والرد وفن التعامل مع الزمن ومع روح المجتمع وليس فن الانتحار. والتعامل مع الواقع كما هو ومع جميع الفاعلين في هذا الواقع ولا يجب الدخول في معارك عبثية واستنزاف او الدخول في مهاترات وشخصنات لا طائل منها او اقصاء الاخر. فهو يفضل دائما التركيز على الهدف الاساسي لعدم اضاعة البوصلة وفي نفس الوقت تجميع القوى والافراد بشكل مستقل و وطني لانه كان في عمقه يعرف ان الصراع سينتهي يوما ما وقد يجلس الجميع مع بعضهم لبناء وطن جديد اخلاقي وقانوني للجميع وبلد مواطنين احرار.
Social Links: