مرت الثورة بمخاض تلو مخاض، وودعت الكثير من ايقوناتها، لكنها بقيت صامدة ثابتة كثبات أولئك الذين وهبوها سنين عمرهم، ليكون منصور الأتاسي من الشخصيات التي ودَّعتنا قبل عام واختار رحاب ربه بعد عمل دؤوب.
عام مضى على رحيل ذاك الرجل الستيني ابن حمص، والذي كان صمام الأمان لمنع الحرب الطائفية في حمص، تاركًا وراءه وطن وثورة وثوار، لتنعيه كل أطياف المجتمع، ليشهد رحيله ألم في خاصرة سوريا وقد بدى جليا من ردات فعل آلاف السوريين على رحيله.
الأتاسي، الذي تقلد منصب رئيس الحزب اليسار الديمقراطي ودفع بأهداف ترتقي بوطن ودولة مدنية تقوم على العدالة بعيدا عن النزاعات الطائفية.
عمل الأتاسي على توحيد صفوف المعارضة، في الاجتماعات والندوات في مسعى منه لتشكيل جسم واحد ينطوون تحت رايته، قائلا في إحدى كلماته التي لم تغرب عن ذهني يومًا “توحدوا لننتصر فدون وحدتنا القائمة على الاعتراف بتعددية الرؤى والاتفاق على المشتركات واستبعاد الفاشلين والتخلص من التبعية، سنبقى ندفع ثمنا باهظا من ارواح الشباب والمدنيين بدون أن نحرز أي تقدم ذا قيمة”.
على الرغم من أني لم أعرف الأتاسي لوقت طويل، فجمعتني به احدى مظاهرات اسطنبول قبل أربع سنوات من رحيله، وبالرغم من فارق العمر الكبير بيننا إلا أنه كان يشد على أزري وشباب الثورة بهمم الجبال ويصدح صوته بأناشيد الثورة وبريق الأمل لا يبرح عينيه.
لم يكن ذاك اللقاء الأخير بيننا، كنت حريص على الاجتماع به في العديد من الفعاليات والجلسات لأقطف من ثمار معارفه وخبرته، وكان تطلعه أن نشكل وغيري من الشبان السوري كيان مستقل وحر، وكلماته تشق طريقها إلى قلوبنا كنسيم الشذى يحلق فوقها صقر الحرية.
وإن أردت الحديث عن تواضعه، لتذكرت ذاك اليوم الذي دعاني فيه إلى مكتبه في اسطنبول، ليحدثني عن ثورة مدينة حمص عن أشياء في الثورة لم أكن أعرفها، عن اعتقاله، عن الوطن الذي يتطلع إليه، ولا شيء أمامي الآن سوى إصرار قمر تدلى على جبينه لينير عتمة المساجين في المعتقلات.
قال ذات يوم في اجتماعه مع مجموعة من الشباب السوري الثوري على السكايب، “أنا إنتهى دوري اليوم دوركم أنتم من سيقود المرحلة القادمة يجب أن تتعلموا أن تصبحوا سياسيين كتاب مثقفين وأن تدركو ما يحيط بكم ما يجب عليكم القيام به لتستعيدوا الثورة”.
لا زالت كلمته تحفز العشرات منا حتى اليوم، فكم نحن بحاجة لك ولأمثالك في هذه الأيام العصيبة يا أبا مطيع.
Social Links: