ستبقى في الذاكرة – سامر طه

ستبقى في الذاكرة – سامر طه

ستبقى في الذاكرة 

وصلت إلى إسطنبول شتاء عام 2014، بعد خروجي من سوريا، طالباً العيش والاستقرار ريثما تسنح لي الفرصة من جديد العودة إلى الديار، وبعد فترة من الاستقرار الأولي، بدأت البحث عن مجموعات العمل السياسي والثوري، للبدء برحلة جديدة ولكن هذه المرة من خارج البلاد، وشاءت الظروف أن يكون أول لقاء يجمعني بمجموعة عمل ثورية، مع مناضل سياسي لا يعرف اليأس، يعيش بأمل متجدد، قلبه مفتوح للجميع، أناديه دائماً عمي أبو مطيع “منصور الأتاسي”. 

في هذا اللقاء الأول، كنا نتباحث برفقة مجموعة مميزة، للتحضير لفعالية في إسطنبول، بعنوان التهجير القسري، وكلفني يومها بتجهيز كلمة لنلقيها ضمن هذه الفعالية. 

سألته بعد فترة، “عمي أبو مطيع كيف كلفتني بإعداد الكلمة وانت لسا ما بتعرفني ولا بتعرف امكانياتي” وكان الجواب “انو كل شب وصبية وقفوا بوجه هالنظام ليطالبوا ببناء دولة حقيقية أساسها الحرية والعدل، هدول ما بيحتاجوا تقييم، هدول فقط بحاجة دعمنا ليكونوا في الصفوف الأولى”. 

في كل مناسبة حصلت، بعد اللقاء الأول، كنت أنتظر ذلك الرجل الذي لا يكل ولا يمل، ويتابع باهتمام كبير كل المبادرات والتظاهرات والوقفات والتشكيلات التي تخص السوريين، وإذا تغيبنا كان يبادر للاتصال والاطمئنان، وكأنه الأب الذي يتفقد أبنائه لعدم زيارتهم له. 

مبادراته كثيرة على طريق جمع وتجميع السوريين، فكان دائماً يتحدث عن مؤتمر وطني يجمع كل فئات الشعب السوري، ويقول أن الحل هو بانجازه، في مواجهة هذا النظام المستبد والمجرم، لذلك كان يهتم ويتواصل مع أي مجموعة تعمل على تجميع السوريين، مهما كان حجمها. 

فعمل على تشكيل اللقاء التشاوري في إسطنبول، ودعم فكرة إنشاء تنسيقية إسطنبول في بدايتها، بالإضافة للقاءات الكثيرة التي كان ينظمها في منزله، يجمع بها السياسيين والثوريين والمفكرين والكتَّاب، وآخر ما عمل عليه، هو اللقاء التشاوري الموسع، الذي دعا إليه الكثير من الحركات السياسية والهيئات والتيارات، والذي كان يعقد عبر السكايب، وقد حضرت منه الاجتماع التأسيسي الأول والثاني. 

هذه الحركة الواسعة على المستوى السياسي، كانت تترافق بحركة مثيلة لها ولكن على الجانب الإنساني، والعلاقات الاجتماعية، فكانت اجتماعات الأعياد بمبادرته، وإذا ما طال غيابنا عنه كان يدعونا للقاءات خاصة تحمل الكثير من الود في طياتها، ولا يسمح لأي خلاف أن يأخذ حيزاً واسعاً بين الشباب، فكان يدفع للحل بأسرع ما يمكن، وبكافة الوسائل. 

أبو مطيع، رجل صدره مفتوح للجميع، لا يحمل ضغينة على أحد، يلتمس الأعذار للآخرين، متسامح، ودود، ابتسامته تجعلك تتمسك بالحياة أكثر، الوطن كان قلبه النابض، لذلك كان حريصاً أشد الحرص على تأمين عوامل الحياة له. 

حتى زياراتي الكثيرة له، كان لها الأثر الجميل على حياتي الشخصية. 

ذهبت فتركت الأثر الطيب فينا، سلاماً لروحك الطيبة، سلاماً لروحك الطاهرة، رحمك الله، وإلى جنان الخلد، وداعاً عمي أبو مطيع…

  • Social Links:

Leave a Reply