غياب منصور أتاسي.. نافذة تنتظر من يملأها بالضوء
أسامة آغي
تمرّ الذكرى السنوية الأولى على رحيل الرفيق منصور أتاسي، مع ازدياد عجز قوى النضال الوطني الديمقراطي عن تأطير نفسها، في إطار يقود عملية التصدي ومواجهة الاستبداد وحلفائه على الأرض السورية.
هذا العجز السياسي، الذي تعيشه أطر سياسية، تحمل رؤى وطنية ديمقراطية، كان منصور أتاسي يشير إليه، على أنه عجز في تشخيص المرحلة السياسية نظرياً، وهو ما يصنع ضبابية في رؤية المهمات النضالية المطلوبة.
رؤية منصور أتاسي اشتقها من فكره الجدلي، الذي لا يقرأ الأحداث من سطحها، بل يرجعها إلى دافعاتها الحقيقية في الواقع، وهذا ما جعله يرى في الثورة السورية قوة تغيير كبرى من أجل انجاز مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية.
المرحلة الوطنية الديمقراطية هي مرحلة بناء القاعدة المادية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، التي يبنى عليها كل تطور لاحق في البنى المجتمعية، فلا تطور بدون هذه القاعدة، التي تعني بناء الاقتصاد والانسان في ظل نظام يتسم باحترام الانسان وحقوقه وحرياته.
رؤية منصور أتاسي ذات العمق الفكري العلمي لم يأخذ بها من تنطح لانتهاز الثورة لصالح رغباته ومنافعه الضيقة، وكان هؤلاء وهم لا يزالون يتصدرون المشهد السياسي للمعارضة، يعتقدون أن ما يقوله منصور أتاسي ليس أكثر من أحلامٍ سياسية تقوم على فكر لا ينتمي للواقع. في وقت أثبت الواقع بكل جلاء انتهازية هؤلاء وجهلهم بالفكر السياسي، وهو أمر قاد حركة العمل السياسي الثوري العام إلى مأزقه الحالي.
كان منصور أتاسي يخشى ارتباط الثورة السورية بالسياسات الإقليمية والدولية، وهذه رؤية صحيحة، فالبقاء في مربع الصراع الوطني الداخلي بين الشعب السوري الثائر ضد نظام الاستبداد في البلاد يعني منع تأثيرات مصالح القوى الخارجية في مسار الثورة والتغيير.
أدرك منصور أتاسي وهو قائد سياسي تاريخي عاش بين صفوف ابناء شعبه في حمص أن المال السياسي سيخرّب الثورة ويجعلها عربة تجرها خيول الغرباء. لذلك رفض الانخراط في تحالفات أو العمل في مؤسسات لا تخدم استقلالية القرار الثوري السوري.
أصر منصور أتاسي على النفخ في كير نار الثورة الذي غطّاه رماد كثيف تراكم بسبب ترهل قيادات الثورة والمعارضة وابتعادهم عن المحور الرئيسي للثورة وهو دحر النظام الاستبدادي. وهو أمر فيه إرادة وعزم كبيرين على إبقاء شعلة الثورة متقدة.
كان منصور أتاسي يدرك بعمق مأزق اليسار التقليدي السوري الذي تمثله ما تسمى أحزاب الجبهة الوطنية التي يتزعمها نظام الأسد ، ويدرك أن هذه الأحزاب لم تعد تمثل أسماءها وما تدعيه من تمثيل الطبقات الاجتماعية الشعبية، التي وقعت ضحية خيانة هؤلاء الانتهازيين لهذا لم يبن منصور أتاسي مشروعه الفكري السياسي مع رفاقه اليساريين من أوهام الأممية الثانية، بل اكتشفوا معاً العلاقات الجدلية التي تحكم المسار الديمقراطي مع المسار الاجتماعي والسياسي.
رحل منصور أتاسي وكانت رؤاه تضيء من نافذة أمل السوريين، النافذة تنتظر أن تبقى مضيئة بجهود كل من يؤمن أن الثورة السورية ليست هبّة أو تمرداً، بل هي ضرورة تاريخية عرف منصور أتاسي قوانينها وحاول دفع قوى الثورة نحوها، ولكن المرحلة الأولى تلاشت نتيجة انتهازية وخيانة غير الثوريين الحقيقيين لمسار هذه الثورة العظيمة.
رحل منصور أتاسي بجسده عن السوريين، ولكنه أبقى لهم صور نضاله وأفكاره وحزبه، وطريق تغيير لا يزال في بدايته.
تحية لروح الرفيق منصور أتاسي الذي لم يمت فكراً ورؤى، بل غاب جسداً فحسب.
Social Links: