فكيف إذا اجتمعَ إدلبيٌّ.. بحُمصِيّ
نجم الدين سمّان
التقيتُ منصور الأتاسي مُجدَّداً في استنبول بعد تهجيرٍ قسريّ لكلينا؛ وكنّا نلتقي مرّةً في الأسبوع على الأقلّ في جلستنا الأسبوعية مع أصدقاء مُهجّرين مثلنا؛ وكنّا بين النقاشات المُستفِيضةِ.. نُغالِبُ تغريبتنا بالمُزَاح؛ أبو مُطيع على طريقته الحُمصيّة؛ وأنا العبد الفقير للوطن على طريقته الإدلبيّة؛ وكان دأبُه توحيدَ السوريين المعارضين للنظام؛ وكنت أمازِحُه:
– يمكن يتوحدوا.. بس صعب يتوحدوا الحماصنة والأدالبة
فيضحك بقلب طفل وبكلِّ قامته التي تعادل ثلاثة اضعاف قامتي؛ فأتابع:
-أوعا تميل عليِّي وأنت عَم تضحك يا أبو مطيع؛ بروح فيها.
ثمّ يسألني: – شو برأيك.. سبب الخلاف العقائدي بين الحماصنة والأدالبة؟. فأجيبه بحديّة: – خلافنا معكم أعمق من خلافكم مع الحمويّين؛ عيدكُم الوطني يوم الأربعاء؛ ونحنا طول أيام الأسبوع معيدين.. مطبلين بالدنيا؛ مزمرين في الآخرة؛ ما عدا الأربعاء. يضحك أبو مطيع:
– وليش ما عدا هاليوم.. بالذات.. مستقصدينّا يعني؟.
فأجيبه: – نكون فيه مشغولين بعرض أحدث اختراعاتنا في بازار إدلب الكبير.
وذات يومٍ بينما نتمشى سويةً إلى بيتَينا في الحَيّ الاستنبولي ذاته؛ وكان حياً تركياً يسارياً.. أيضاً؛ قال:
-شو رأيك تكون معنا في حزب اليسار الديمقراطي؟.
أجبته على طريقتي: – أنا يساري من صغري يا أبو مطيع؛ أول ما مسكت قلم رصاص.. مسكته باليسار؛ كتبت أول حرف بإيدي اليسار؛ بس معلمنا ابن شيخ وهّابي في إدلب صرخ في وجهي: – اكتب باليمين.. يا ولد؛ فأجبرني ان أكتب في المدرسة.. بيميني؛ وجَكارةً به.. ومُعارضةً له.. أعود إلى البيت فأكتب كلَّ واجباتي المدرسيّة بيساري؛ أليس هذا نضالاً سريّاً يسارياً يا رفيق؟!.
يضحك أبو مطيع؛ فأتابع: – وهكذا بقيتُ منذ طفولتي حزبا يسارياً مُستقلاً.. أنا العضو الوحيد فيه؛ وأنا أمينه العام الوحيد؛ فلم أعرف لوثة الانشقاقات اليساريّة؛ مُحافِظاً على وحدة حزبي مع نفسي.
قال لي: أمري لله.. تعال أنت وحزبك معنا لتوحيد المعارضة.
قلت: – ما عدا الائتلاف.. فمعهم بالذات.. أنا من معارضة المعارضة.
ضحك أبو مطيع: – بس مع صديقك وابن محافظتك خطيب بدلة العضو في الائتلاف.. بتضحك وتمزح؟.
قلت: – مطوّل بالي عليه لينشق عنهم؛ ويستردَّ جنسيَّته الإدلبيّة.🙂
*- الصورة: مع الصديق منصور اتاسي في وقفة تضامنية لناشطين أتراك وأكراد وسوريين لأجل حلب؛ في مقرّ حزب العمال الديموقراطي التركي – استنبول 2016 بمُبادرةٍ من أبي مطيع.. الحاضر فينا على الدوام.
كنتُ أحسِدُ أبا مطيعٍ على محاولاته لجمع وتوحيد السوريين الأحرار.. برغم تشاؤلي؛ وأُقدِّر كثيراً وطنيَّتَهُ الصافية؛ وعِشقَه المُزمِن لبلدنا سوريا؛ ولأنه بالضبط.. واحدٌ من الشرفاء القلائل الذين التقيتهم في استانبول؛ بينما يُسَمسِرُ آخرونَ.. بأقدارِ السوريين وبحياتهم اليومية في الداخل وفي تغريبتهم على السواء؛ وتستشري بينهم “عقلية الدكاكين” بكلِّ أصنافها: انتهازيةً وبراغماتيةً: مصلحجيَّة- وتبعيَّةً لهذا المحور الإقليميّ ولذاكَ المحور الدوليّ؛ وكذا المُرَاهنونَ لشدّةِ يأسِهم أو عن قناعةٍ: على مُعارضةِ المُحاصَصَةِ والمَحَاوِر.. مرّةً؛ وعلى “العرعور” مرةً؛ وثالثةً.. “على أردوغان” ورابعةً.. على غزوات “إخوة المنهج”؛ وخامسةً وليس أخيراً.. على ترامب؛ الخ..
كان منصور أتاسي طيلةَ حياتِهِ.. يدعو السوريينَ الأحرارَ للوحدة والتجمُّعِ معاً؛ وقد تجمَّعوا بالفعل فلَبُّوا نداءَهُ.. ولكن في مجلس عزائه؛ وتجمّعوا ثانيةً.. في مجلس تأبينه؛ ثم يتفرّقون.. كلُّ واحدٍ منهُم في اتجاهٍ؛ وإلى.. كُلِّ اتجاهٍ؛ وحتى.. الحائطِ الأخير؛ حيث سيتجمعون هناك جميعُهُم.. مُرغَمِين!!!.
Social Links: