في وداع الصلب الذي لم يستطيعوا كسره على قدر جميع محاولاتهم ، في وداع العميم الرفيق منصور الأتاسي :
أذكر حين تجمعنا رفضاً للتدخل المافيوي الروسي وهجماته المتكررة على إدلب حينها ، ورعونته وحماقته بالوقوف في صف خدامه المدلل بشار أسد ، أننا كن قد تجمعنا في منطقة تقسيم/ اسطنبول ،، لكي نتضامن مع أهلنا في الداخل بسلاحنا الوحيد الذي نملك ، ألا وهو الوقوف والهتاف بصوت مبحوح حزين ، جاء صوت من الخلف يقول : رفعوا الأعلام منيح لك عمي ، واللافتات مسكوها منيح … كان العميم أبو مطيع لا يتوانى ولا يتأخر على مثل هذه المواعيد ، يمشي اتكالاً على ماتبقى من صحته ، كاسراً مبدأ الطعن بالسن ، ومستنكراً أنه قدم ماقدم فينا مضى ، ومصراً على أن يكون السباق أمامنا ، نحن المحسوبون على الشباب اليافعين .. ، ضاماً يديه خلف ظهره ، لا يهمه الألفي متر التي سيمشيها من ميترو أول شارع الاستقلال حتى أخره .. بل يشارك برفع العلم أو لافتة انتقاها على عجل ، ووقف بها صامتاً لا يلوي على شيئ ، سوى الحزن والألم والحسرة … لأن هنالك حلم يمكث في بلد لطالما ذاق سياطها وملحها وحلوها ، لم يتحقق على مرآى من عينه ….
كان صلباً حقاً ، مسامحاً لكل الاخطاء التي ارتكبها الغير ، مصراً على جمع الكل تحت سقف الوطن الذي تخيله سيبنى قريباً ، سيشهده بعينه ، رافعاً رأسه ومحاولاً رؤية ما أتعبه رؤيته قبلاً ،،، وطناً حراً ، شعباً سعيداً ، وبلاد لكل السوريين ، بدون تمييز ولا تحيز ….
إن المناضلين ، كانوا بريئين جداً ، غير متعبطين برايات أخرى ، ولا سباقين لكراس معينة ولمواقع لطالما عدوها تافهة وساذجة … لا وبل لطالما قال لي رفيقنا : أن مرضنا الذي لن نستطيع استئصاله : هو عدم كفاءة من يقود شارعنا ، وطمعهم في ما يملئ جيوبهم ، ويدفئ مقاعدهم …
لم يكن العميم يطمح أو يكافح لأجل شيئ خاص ، أو لمطمع مادي أو معنوي .. بل لا أذكر أنه قدم نفسه ( بحضوري وبشهادتي ) على أنه أمين عام لحزب اليسار … وكان يبتسم على الدوام ، بهدوء اعتدنا عليه بشدة .. وفقدناه برحيله ..
في الذكرى السنوية الأولى لغياب هدوء وابتسامة الرفيق منصور الأتاسي أتذكر أيضاً :
كان دائماً ينظر إلى الشباب على أنهم متممي طريق المناضلين الأوائل ، حاملي رسالة الثورة والغضب …
كان يغامزني على عجل هامساً : رفيق متى ستأتي إلينا لتستلم منظمة الشباب ؟! وتعمل لأجل تطويرها وتنظيمها ؟! كنت ابتسم مع ابتسامته ، واربت على يديه ، وأعده بأني آت … ونعود لحديث العامة ولاكمال جلستنا … اليوم رحل رفيقنا بدون أن نتهامس مجدداً ، وبدون أن يثني علي بقوله الكلام الجميل الذي لطالما أخجلني ، وبدون أن يقف معنا في الساحات الكبيرة العريضة وقفة رجل لايكسر ، لا يقهر ، صامتاً مبتسماً …
الضياء لمن عاش حياته يقارع الظلم والظلام ، ولنا من بعده ماتبقى من عثرات الطريق ، وصعوبة المنال …. بوطن لكل السوريين …..
تيم الدروبي
Social Links: