منصور الأتاسي وهزيمة طائفية الأسد – سهير الاتاسي

منصور الأتاسي وهزيمة طائفية الأسد – سهير الاتاسي

سهير الأتاسي: منصور الأتاسي وهزيمة طائفية الأسد 

٢٧/١١/٢٠٢٠

يتزامن إحياء ذكرى المناضل الحرّ منصور الأتاسي بعد مرور عام على رحيله في 6 كانون الأول عام 2019 مع ما يليق به من بروز ملامح استعادة بعض قوى الثورة والفعاليات السياسية والمدنية والشخصيات المستقلة لزمام المبادرة الوطنية، ليقولوا للعالم بأسره بأن الثورة السورية مازالت حية، وأن الصوت السوري الحرّ المستقل مازال يصدح ويقول أصحابه: نحن هنا، ولن نستسلم للمقولة الانهزامية بكون القضية السورية قد خرجت من أيدينا وأصبحت شأناً دولياً لا دور لنا فيه. هي روح التفاؤل التي تُبعث فينا من جديد، وهي الوطنية الجامعة التي يتحلّق حولها من رفض انزلاق المعارضة الرسمية إلى مسار المصالح الدولية، وهاتان صفتان بارزتان من صفات الحرّ منصور الأتاسي.

لم تُجمع قوى الثورة والمعارضة في السابق على شخصية سياسية كما فعلت يوم رحيل منصور الأتاسي، ولم تفعلها قبلاً إلا مع شخصيات رمزية ثورية أمثال عبد الباسط ساروت ومي اسكاف وآخرين. لقد تميّز الأتاسي بطيب علاقاته مع كافة أطياف المعارضة، حتى ممن اختلف معهم في التوجّه والموقف والنهج والسلوك، فكان الراقي والناصح والمحاور والمتفائل دوماً بالقدرة على التأثير والعمل على الإصلاح، وكانت لديه قدرة، أعتقد أنه تفرّد بها، على مسامحة حتى من بادر إلى خصومته. والأهم أنه كان من الشخصيات السياسية الأولى التي وضعت يدها في يد الثوار الشباب، وسارت معهم بخطى واثقة وثابتة وإيمان شديد بإرادتهم وقدرتهم على التغيير، وكان الاسم السياسي الأبرز الذي مازال مذكوراً على لسان ثوار حمص الأوائل في رواياتهم عن الثورة في حمص العدية.

لا يعرف الكثيرون يد نظام الأسد في رحيل الأتاسي عنا، ولا أقصد هنا المعنى المجازي للكلمة فقط، والمقصود فيها التهجير القسري عن بلده التي عشقها وتوجّس اللجوء إلى أي بلد أوروبي كي لا يفقد الحلم بالعودة القريبة إليها، لكنه تأذّى فعلياً من التعذيب الذي تعرّض له إثر اعتقاله في  ١/١٠/٢٠١١، والذي كان يتصاعد عندما يتم سؤاله من قبل سفّاحي الأسد عن “الأقليات”، فلقد تجاوز الأتاسي خطوطهم الحمراء، وحاول أن يهزم طائفيتهم المقيتة في الشهور الأولى للثورة السورية عبر نشاطه الوطني عندما عمل على تشكيل تنسيقية الزهراء للتغيير الوطني الديمقراطي وهو الحي المعروف بأغلبيته العلوية، وتنسيقية الحميدية المعروفة بأغلبيتها المسيحية. وبحسب رامي الأتاسي ابن الحرّ، كان المحقق يقول للأتاسي يومها: “من يقترب من الأقليات سنقطع له يده”، ليجيبه الأتاسي: “لا يوجد أقليات في سوريا، يوجد متضررين من قمع النظام وسياسته”. لم يستعرض الأتاسي نضالاته ولا فترة اعتقاله وتعذيبه في أحاديثه العامة والخاصة، ونادرون الذين يعلمون الأذى الجسدي الذي رافق الأتاسي من زنازين الأسد، وتفاقم في الفترة الأخيرة من حياته، وساهم بشكل كبير في الفقد الذي عشناه نحن محبّيه وعائلته، فهو الذي لم يعتبر قطّ أن تلك هي مؤشرات وطنيته وشهادة انتمائه للثورة.

مثّل الأتاسي تلك الشخصية الوطنية التي حافظت على توازن ملفت بين الموضوعية السياسية والصلابة الثورية، وبقي قابضاً على جمرة يقين انتصار الثورة رغم كل الخيبات التي دفعت البعض للانكفاء، لكنه لم يتوقف يوماً عن إصراره في المبادرة لإطلاق الأفكار والمشاريع والجلسات الحوارية والحرص على عدم إقصاء أحد أو طرف مهما اختلف معه وعنه، ولكل ذلك وغيره، أذّن الإسلاميون فرحاً داخل المعتقل يوم إطلاق سراح الأتاسي وهو اليساري، وأنشد الباقي: “بكتب اسمك يا بلادي”.

يليق بالحرّ الغالي منصور الأتاسي إحياء ذكراه عبر استمرار رسالته في سنواته الأخيرة: توحيد الجهود المخلصة والحقيقية للسير نحو الهدف: الخلاص من نظام الأسد، والوصول إلى سوريا دولة مدنية حرة ديمقراطية، كما يليق بعائلته، عائلتي، كل التقدير والاحترام والإخلاص والحب، لأشخاصهم النبيلة كنبله، وللدور الأساسي لهم في الحفاظ على الزخم الذي مثّله الأتاسي في مسار حياته.

  • Social Links:

Leave a Reply