سميرة المسالمة_ العربي الجديد
يوثّق السوريون يومياتهم على صفحات التواصل الاجتماعي التي تحوّلت، في معظمها، إلى “دواوين” عزاء، مصنفة، هي الأخرى، سياسياً بين موالاة ومعارضة، فبينما يمارس الجميع إغداق الصفات على الفقيد، تبعاً لموقفه السياسي من الثورة السورية، نجد بعض الأسماء التي تخترق حدود التصنيف، بتاريخها تارة، وإنسانيتها أخرى، أو أدبها وفنها ثالثة، فتحضر بين جمهور كبير لم تستطع السياسة خطفه من إنسانيته وتشويه ذاكرته، لتؤكد أن حالة الفصل السياسي ليست معيارا حادّاً في وجدان السوريين المنتمين إلى حقيقتهم الإنسانية، بعيدا عن الاصطفاف الذي يصل إلى حد “التشبيح” والشماتة، أو تصفية حساباتٍ رخيصة، كما هو الحال لدى بعض قصار “القيمة الأخلاقية” الذين وجدوا في صفحات التعزية الإنسانية ملاذاً لسكب كراهيتهم.
حرمت التغريبة السورية كثيرين منا من أحبتهم وأهلهم وأصدقائهم، حتى في لحظات الفراق الأخير، واستعضنا عن ذلك بإلقاء كلمات الوداع على وسائل التواصل، في محاولةٍ للتمسّك بآخر خيوط التقارب الاجتماعي التي أزهقتها أيضاً جائحة كورونا، فأصبحنا كرهين المحبسين، ولكنهما غربتنا ومخاوفنا. ويزيد الموت في تحدّي قدرتنا على الصبر مع فقداننا أمثال السياسي منصور الأتاسي والكاتب فاضل السباعي. حيث يموت الأتاسي في غربته في إسطنبول مدافعاً عن حريتنا، وكرامة السوريين. ويموت السباعي في دمشق، متمسّكاً بحلم إبداعه الذي يشع حرية، وباحثاً عن دولةٍ لا يحكمها رقيب على الكلمة، ولا حسيبٌ على الرأي.
يرحل الأصدقاء، ونبقى نحن نبحث عن كلمات عزاء، لا تسعف قلوبنا المكلومة، وبانتظار أن يبقى لنا وطنٌ اسمه سورية، نحنّ إلى العودة إليه، كما رسمه لنا سياسي وطني أو أديب إنساني، ينتظر عموم السوريين ما تنتجه المفاوضات القائمة بين النظام والمعارضة، في جنيف وأستانة وسوتشي، والاتفاقات التي تجري فوق الطاولة، وتلك التي تعلن عن نفسها بعد وقت أنها كانت تدور تحت الطاولة، وعلى وطنٍ لا يشبه صورته التي دافع عنها سياسي، أو تحمل وزر رسمها في سجون النظام أديبٌ أو فنانٌ أو متظاهر.
هذه المعارضة التي تريد أن تخرج نصف الشعب السوري من مواطنيته، لتضعه تحت مسمّى الهيئة الوطنية للمهجّرين، فيصبح السوريون إما تحت ظل النظام أو ظل “ظله” في المعارضة، كي نصبح أعدادا يساومون علينا، وقد يطبعوننا كبطاقاتٍ ذكيةٍ، يدفعون بها ثمناً لمناصبهم من حساب أعدادنا، تماما كما يفعل النظام اليوم الذي حوّل السوريين إلى بطاقاتٍ ذكيةٍ “تكامل” وعدّ من خلالها عليهم أنفاسهم، وحول عملية الحصول على قوت يومهم إلى مسيرة كفاحٍ تبدأ ولا تنتهي، تارة تحت قيد التجريب، وتارة تحت بند الإجبار.
Social Links: