هل يمكن لسورية ان تخرج من الكارثة التي قادها اليها جنون الأسد؟
س-استاذ برهان قلت سابقا إن الحلّ قد خرج من أيدي السوريين، وفي المقابل تحدثت كثيرا عن دور الشعب السوري المهم في حلّ الصراع حتى لا يكون أداة بيد المحتل الأجنبي أيا كان.. أليست تلك مفارقة، وبيد من الحلّ إذن اليوم برأيكم؟
ج– لاتوجد أي مفارقة، لقد خرج الحل من أيدي السوريين بسبب انقسامهم وتشتت إرادتهم وتضارب أهدافهم وتفرق كلمة قادتهم وضعف تنظيماتهم السياسية وضعف الشعور بالمسؤولية لدى معظم نخبهم السياسية والإجتماعية والدينية أيضا، وهو ما دفع ببعضهم إلى الإستقواء بالقوى الأجنبية وجلب الإحتلالات العسكرية والسياسية، ولن يكون هناك حل إلا باستعادة السوريين وحدتهم وتوحيد إرادتهم ونبذ الحرب والتبعية للدول الأخرى، والتعاون على إبطال مفعول الألغام التي زرعت في طريقهم من قبل محتليهم الداخليين والخارجيين، وفي مقدمهم المحتل الإيراني الذي يراهن أكثر من جميع المحتلين الآخرين على لعب ورقة التقسيم المذهبي والطائفي. وهذه الإرادة السورية الحرة والمستقلة والموحدة هي المدخل الضروري لإسقاط نظام العبودية والتوافق على طبيعة النظام الجديد الذي يريد السوريون أن يكون معبرا عن تطلعاتهم الى الكرامة والحرية، بصرف النظر عن أصل الفرد وجنسه وطبقته ودينه
-كنت أقول دائما: كل شيء ممكن من دون الأسد ولا شيء ممكن معه. والآن أقول لا يوجد مع الأسد سوى الخراب والدمار والموت وكل الآفاق تفتح برحيله أو ترحيله كما ترحل الأنقاض في البيت المدمر. ويكفي أن يمد السوريون، من الذين خدعهم النظام، من جميع المناطق والمذاهب، والذين استخدمهم لقهر أخويهم، أيديهم إلى بقية السوريين الذين ينتظرونهم حتى تبدأ المسيرة المعاكسة ويفتح طريق التحرر من الإحتلال والإستبداد والإنهيار الذي يرافقهما، وتأخذ العدالة مجراها لمعاقبة مجرمي الحرب ووضع حد لسلطة أمرائها وشبيحتها وتجارها.
س–أستاذ برهان.. برغم كل المحن والمكائد والمؤامرات، هل يمكن للثورة أن تجد طريقها نحو الإنتصار؟
ج-أنا الذي أراه قادما وبأقرب مما يعتقد الكثيرون.
س–قلت سابقا، إنّ ” الثورة السورية اصطدمت بمشروع ثيوقراطي وطائفي لامبراطورية مشرقية لا تزال طهران تعمل عليه باسم الهلال الشيعي، وبشكل منهجي وعلني، منذ 1979، وقد أنفقت عليه عشرات المليارات من موارد شعبها وموارد العراق الذي سقط في يدها عام 2003″.. كيف يمكن معالجة نتائج هذا “الإصطدام العنيف” والتي يفسرها دمار سوريا اليوم، وهي أشلاء ملقاة يلتقطها هذا وذاك؟
ج– معك حق بالتذكير بالدور الكبير الذي لعبته طهران الطائفية التي لم تُخفِ أبدا رغبتها في تصدير الفتنة المذهبية إلى المشرق والمنطقة العربية بداية من العراق وبالتحالف أو التفاهم الضمني مع واشنطن وبالتأكيد تل أبيب، لتخريب المنطقة وفرض إرادتها عليها واستخدامها لابتزاز المجتمع الدولي، ولم يخجل القادة الإيرانيون من الإعلان عن نواياهم واعتزازهم بالسيطرة على أربع عواصم عربية كبرى. لكن اعتقد أن هذا المشروع المدمر في طريقه إلى الإنهيار، والثورة العارمة التي يخوضها شباب العراق ضد السيطرة الإيرانية الطائفية وسلطة ولاية الفقيه تؤكد ذلك. ولا مهرب من انتصار هذه الإنتفاضة الشبابية والشابة التي أشعلت روح الوطنية العراقية بمقدار ما حررت العراقيين من أوهام النظم الطائفية. وهذا هو الوضع أيضا في لبنان الذي زعزعت انتفاضة شبابه أركان دولة حزب الله التي احتلت الدولة اللبنانية واستعبدتها، وهذا ما ننتظره من شباب سورية الذين خافوا من انتقام الأسد أو خدعوا بوعوده، كما حصل لإخوانهم في العراق ولبنان من قبل، قبل أن يكتشفوا عريه، والطريق المسدود الذي قادهم إليه، والبؤس الذي كان نصيبهم الوحيد من ولائهم له وتضحياتهم غير المحدودة الإختيارية أو الإجبارية من أجله. هذه هي بداية الطريق للخروج من المأزق المشترك وربما تدشين التعاون بين الشعوب الشقيقة من أجل تغيير المسار الإقليمي وإخراج هذه البلاد من حالة الخراب والدمار وبناء المستقبل الموعود والمستحق لأجيالها الشابة التي بذلت دماءها في سبيل التغيير.
س – هل أثبتت تجربة الثورة السورية إخفاق العديد من القوى على رأسها النخب والمثقفون في الدفع نحو عملية الإصلاح والديمقراطية والحرية.. وعلى من يمكن التعويل مستقبلا؟
ج-على النخب ذاتها، لأن النخب تتغير أيضا وتغير من تفكيرها وخططها بمقدار ما تتعلم من تجاربها الفاشلة والسلبية. ولأن النخب التي تفشل في التعلم من التجربة والتغير تدين نفسها، كما هو الحال في معظم البلاد العربية، بالجمود والفناء، وتفتح الطريق أمام نخب جديدة من بين اولئك الذين نجحوا في تطوير وعيهم وإصلاح ممارستهم والتفاعل مع قضايا شعبهم ومجتمعهم.
س-أستاذ برهان.. كيف ترى سورية مستقبلا ؟..بأي فكر وبأي لون؟
ج-أنا أؤمن بأن إرادة الشعب إذا توحدت تستطيع أن تفعل المعجزات، وإذا تفرقت خسر الشعب كل شيء كما حصل لنا.. أنظر إلى سورية المستقبل من منظار ما حصل لبلد صغير اسمه رواندا عاش محنة لا تقل مأساوية عن المحنة التي عاشها السوريون، ذهب فيها 800 ألف قتيل في أقل من مائة يوم، أكثرهم من قبيلة التوتسي، والتوتسي والهيتو قبيلتان تنتميان للقومية ذاتها والدين نفسه واللغة ذاتها وليس هناك أي فرق في الملامح الجسدية، لكن فرقهم الحكم الإستعماري الببلجيكي وزرع الخلاف بينهم بتجييش مشاعر التمييز والكراهية مستغلا الفوارق الإجتماعية والإقتصادية، لكن كان يكفي قيادة حكيمة ورشيدة تبنت قضية الشعب، وأنزلت العقاب العادل بالقادة العنصريين، وعززت حكم القانون، وأقرت المساواة التامة بين الجميع، حتى تولد رواندا من رمادها وتضرب المثل في التقدم والإستقرار.
وبعد سنوات قليلة من المصالحة الوطنية واستعادة الشعب ثقته بنفسه وبحكم القانون والعدالة شهدت رواندا طفرة هائلة في الإقتصاد جعل المراقبين يصفونها بـ”المعجزة” الرواندية حيث حققت البلاد خلال الفترة بين عامي 2000 و2015، نموًا في الناتج المحلي بمعدل 9% سنويًا، وشهدت وتيرة التطور الإقتصادي الأكبر على مستوى العالم، فارتفعت قيمة الناتج الإجمالي المحلي للبلاد من 1.74 مليار دولار عام 2000، و1.29 مليار دولار فقط في سنة 1995 إلى نحو 8.48 مليار دولار أمريكي في 2016، لتحتل المركز التاسع بقائمة أكثر الدول استقطابًا للمستثمرين في القارة الإفريقية.
-تملك سورية موارد بشرية وطبيعية أكبر بكثير، وتستطيع أن تحلم بخروج إيجابي شبيه بما حصل في البلد الإفريقي الصغير والفقير، وهي لا تحتاج إلى اختراع هوية جديدة مهما تعرضت هذه الهوية للتشويه والتخريب، ويكفي أن يعود السوريون إلى الثقة بهويتهم الوطنية الأصيلة التي تأسست عليها دولتهم الحديثة، ويعزموا على الخروج من الحرب وحالة العداء والشك والخوف المتبادل، ويتوافقوا على مواجهة الخراب السياسي والمادي، والتخلص من الإحتلالات الأجنبية على مختلف أشكالها وأهدافها وتبريراتها، وبصرف النظر عن الأسباب التي تتذرع بها، سواء أكانت مكافحة الإرهاب أو حماية أمنها أو مصالحها الإستراتيجية أو تكريس ضم الجولان المحتل والإلتفاف على القرارات الدولية.. أقول يكفي التقدم في طريق المصالحة واختيار حكومة وحدة وطنية تعمل على إزالة آثار الحرب وتحقيق السلام العادل، وإنجاز الإنتقال الديمقراطي والقضاء على الفساد وإنزال العقاب بالمجرمين والمفسدين، والتركيز على حشد الطاقات والمواهب لإطلاق عملية إعادة الإعمار الذاتية، حتى تستعيد سورية عافيتها وتبدأ رحلة الخروج من البؤس العميم المادي والمعنوي والروحي الذي تتخبط فيه اليوم والدخول في العصر الجديد.
وأرى أن سورية أصبحت أو هي في طريقها لأن تكون أكثر جاهزية للقيام بهذه الوثبة والتقدم نحو آفاق ومسارات جديدة والإنعتاق من مثبطاتها وقيودها والإنطلاق في الفضاء العالمي الغني والمثري، بعد أن دفعت الثمن الغالي من أجل أن تنعم بالحرية وتستعيد معنى الكرامة الإنسانية وتنزع عنها أغلال الذل والعبودية وأسمال القهر والذل والإمتهان، وإنها، بما تملكه من مواهب أبنائها ومن ثروات طبيعية وموقع استثنائي ستكون البلد الأجمل والأكثر ازدهارا في المنطقة، وهي منذ الآن الأكثر حضورا في العالم بفضل إبداع أبنائها وقدرتهم التي لا تقارن على التكيف والتعلم والإبتكار.. ستكون سورية الجديدة بلد الفكر والفن والأدب والذوق، كما كانت من قبل، بلون الحرية وطعم الكرامة، ورائحة الياسمين
من صفحة الزميل أحمد كلش
Social Links: