خمسة عشر عاماً مع المناضل 2/5

خمسة عشر عاماً مع المناضل 2/5

زكي الدروبي

الانخراط في النشاط المعارض:

بدأت صداقتنا بالتطور ومن خلاله تعرفت على معظم المعارضون في حمص، وحضرت العديد من الاجتماعات السرية في منزله ومكتبه بداية، ومن ثم منازل أخرى في المدينة، وتلقيت منه بداية، ومن غيره فيما بعد، الكثير من المنشورات السرية التي كانت تخرج عن أحزاب المعارضة.

بعام 2005 دعاني أبو مطيع لحضور اجتماع سياسي لقوى وشخصيات معارضة في منزله، وكانت تلك أول مرة أحضر فيها مثل هذا النشاط، وحضره حوالي 50 شخص، وخرج عن الاجتماع لجنة صياغة تشكلت منه ومن الدكتور عبد العزيز الخير وآخرون، وبادرت برفع يدي ضمن الاجتماع الموسع لأشارك في لجنة الصياغة، قلت لأبو مطيع فيما بعد دعني أرى كيف تصيغون وتكتبون لأتعلم، مضيفاً : يا أخي اعتبرني عامل قهوة وشاي، فضحك وقال “ولو أنت أساسي، وبدنا الشباب يكونوا موجودين”، وفعلا حضرت باليوم الثاني، وكان النقاش محتدماً حول الكثير من القضايا الفكرية، وفي ذلك اليوم تعلمت من أبو مطيع درساً بغاية الأهمية، وهو أن للكلمة في السياسة معنى، ولا يجب أن نفترض قضايا غير موجودة، ونناقشها، بل علينا أن نناقش قضايانا ومشاكلنا الموجودة فعلاً، فقد كان أبو مطيع يرغب بإدراج فقرة تنادي بضرورة إعادة الجنسية السورية للأكراد، وإعطاءهم حقوقهم الثقافية، وعدم منعهم من الحديث بلغتهم الكردية، فكان اقتراح الدكتور عبد العزيز الخير بأن نترك القضية مفتوحة، مقترحاً حقوق الأقليات، فاعترض أبو مطيع بأن لا مشكلة أقليات لدينا، لدينا مواطنون سوريون ممنوعون من التعبير عن هويتهم وثقافتهم، ولا يحملون الجنسية السورية، ونطالب بإعادة الجنسية المسحوبة منهم، والمساواة مع بقية المواطنين السوريين، بالإضافة لحقوقهم الثقافية، لكن الدكتور الخير طرح القضية من منظور انساني مستقبلي، “قد تظهر لدينا في المستقبل قضية أخرى، وبهذا النص نكون قد رددنا عليها”، ولا أخفيكم أنني كنت معجباً بطرح الدكتور الخير فك الله أسره، لكن أبو مطيع عاد مؤكداً أن لا مشكلة أقليات في سوريا، لدينا مشكلة مع الاستبداد فقط، وهو الذي يوحي بأن هناك مشاكل أقليات، والتي قد تؤدي لتفتيت سوريا، قائلاً “غداً سيأتي الاسماعيلون في السلمية ويقولون لك نحن أقلية، ونريد حكماً ذاتياً أو انفصال”، فقال الخير لكن الاسماعيلون مذهب ديني وليسوا اقلية قومية، فأجابه أبو مطيع والشيعة في جنوب العراق مذهب ديني، فانتبهنا كلنا لخطورة الكلمة المطروحة على وحدة سوريا، وتم العودة لتحديد المشكلة بوضوح، مشكلة استبداد وحقوق ثقافية لمجموعة من المواطنين السوريين، وخرج يومها ” إعلان حمص” الذي كنت أحد الشهود على صناعته والحوارات التي تمت أثناء صياغة بنوده.

كنت غاضباً من النظام، واستغلاله لمشاعري، وكذبه فيما يتعلق بقضايا إنسانية كقضية فلسطين، وقضية الوحدة والاشتراكية، وأبحث عن أي صراع مع ممثلي النظام الأمنيّن، لأفرغ شحنة الغضب بداخلي وأثبت أنني لا أخاف منهم، وأتى يوم كنت مارا بالصدفة بجانب مكتب أبو مطيع في نزلة الخندق، والتقيت مع أحد الذين كانوا يترددون كثيراً إلى مكتبه، فنبهني لضرورة عدم الاقتراب من المكان “عناصر المخابرات يطوقون المكان، ويمنعون الدخول للمبنى الذي يتواجد فيه المكتب” بسبب دعوة وجهها أبو مطيع لاجتماع حزبي، وعلم الأمن، ومنع الاجتماع من خلال منع الدخول للمكتب. وجدتها فرصة سانحة فذهبت من فوري للمكان، وحاولت اقتحام المبنى، فمنعني عناصر الشرطة الواقفون على الباب، فأكملت طريقي ليتبعني بعد دقائق عناصر الأمن، ويأخذون بيانات بطاقتي الشخصية ثم يتركونني أمضي في حال سبيلي، ويقومون بمتابعتي عن بعد، وفي ظنهم أنني أحد المدعوون للاجتماع، وهناك مكان تبديلي له، وراقبوني ليعرفوا المقر الآخر المفترض للاجتماع، وكانت متعة كبيرة السير بشوارع حمص من شارع لآخر، وعنصر المخابرات يلهث ورائي تعباً، وأنا أضحك في سري من غبائه، وبعد ما يقارب الساعتين من التسلي به وصلت إلى حي جورة الشياح، ودخلت مبنى يضم مكتباً لصديقي، وخرجت من الباب الآخر الموجود على شارع جانبي وعدت للمنزل.

فيما بعد وحين علم أبو مطيع بفعلتي غضب مني، متسائلاً عن السبب الذي دعاني لمحاولة الدخول وأنا أصلاً غير مدعو للاجتماع ولا علاقة لي به، وقال لي أن القصة ليست مرجلة متسائلاً “ايمتا راح تطلعوا من عقلية باب الحارة” مؤكداً أن بقائي مخفياً غير معروف من أجهزة مخابرات الأسد مفيد جداً للعمل، لكني لم أستمع لنصيحته، فقد كان البركان يغلي بداخلي بشدة.

كنت دوماً اصطحب أصدقائي “شباب وصبايا” إلى مكتبه ليناقشهم بالسياسة وليكونوا أعضاء معنا، رغم خوفي وترددي بشأن المشاركة التنظيمية المباشرة معه، وكان دوماً يدعوني إلى الانتساب للتنظيم وكنت متردداً، فأنا شخص ملتزم دينياً وهو شيوعي، والسائد بين الناس بأن الشيوعي غير مؤمن، رغم حبي واحترامي له، ورغم أنني أشارك وأنفذ سياسته، وأحاول تنظيم أصدقائي معه، إلى أن أتى يوماً كنا نسير أنا وهو متجاوزين حديقة الدبلان لنقطع شارع الكورنيش، باتجاه منزله في حي الانشاءات، ونتجاذب أطراف الحديث، وكانت “الحرب على الإرهاب” والعدوان على العراق ضمن حوارنا، فقال لي إن الحرب على الإرهاب في حقيقته حرب على الاسلام، فاستغربت صدور هذا الكلام من شيوعي عتيد، فقلت له ضاحكا، أبو مطيع، ما عرفتك والله، لا تكون اخونجي، فضحك قائلاً بابا نحن الشيوعيون ورثة الاسلام الحقيقيون، وأوضح لي بأن الغرب الامبريالي يريد إسلاماً مدجناً في العبادات فقط، أما نحن فنريد أخلاق وقيم ومضمون الإسلام الحقيقي، الأخلاق التي تحارب الغش والاحتكار، وتعطف على الكبير وتحترمه، وتراعي حقوق الجار، وتأخذ من الغني لتعطي الفقير، هذا هو مضمون الاسلام الحقيقي، وهذا ما نريده نحن، أما الغرب فيريد “دعه يعمل دعه يمر” دون البحث في أخلاقيات العمل، المهم بالنسبة للغرب هو الربح الفاحش بأي طريقة، فقلت له كما ترى فأنا أشارك معك لكني أخاف من الاسم وحين تغيره فسأكون موجوداً في التنظيم .

لا أدري كيف كنت أعيش هذه الازدواجية، رفض المشاركة بالتنظيم بالظاهر، بينما أنا بالواقع منغمس كلياً معه وأنسق معه في كل خطوة أخطوها، إلا أنني كنت ولازلت متمرداً نزقاً، وهذا أكثر ما كان يتعب أبو مطيع في عملنا المشترك، ولازال رفاقي في الحزب يقدمون لي النصائح المرة تلو المرة للتخفيف من نزقي وانفعالي، إلا أنني أجد صعوبة كبرى في هذا الأمر.

  • Social Links:

Leave a Reply