بقلم يارا محمد, وليد النوفل
عمان – “تسليم جثمان والدكم ليلاً”، كانت التعليمات التي وجهها مدير أحد المستشفيات الخاصة بمدينة حلب، شمال سوريا، لأمل بعد أربعة أيام من احتجاز جثمان الأب الذي قضى بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
إذ أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، تم إدخال والد أمل، الذي كان يبلغ 70 عاماً، إلى أحد المستشفيات الخاصة المخصصة لاستقبال مرضى كورونا عقب ثبوت إصابته بالفيروس، وليفارق الحياة بعد ذلك بأيام. لكن “فوجئنا بأن المستشفى يحتجز الجثمان من دون إبداء السبب”، كما قالت أمل لـ”سوريا على طول”.
لكن ممرضاً في مستشفى خاص آخر في مدينة حلب مخصص لمرضى كورونا أيضاً، فسّر التأخير بكون “تسليم جثمان المتوفى بفيروس كورونا يتطلب موافقة مدير المستشفى وتوقيعه”. كاشفاً لـ”سوريا على طول” أن “بعض الجثامين بقيت في أروقة المستشفى لخمسة أيام، بسبب العدد المتزايد للوفيات بالفيروس، والتأخر في إصدار الموافقة لاستلام الجثمان”.
لكن تجربة عائلة أمل دفعتها مع إصابة فرد آخر منها بالفيروس، إلى عزله منزلياً، حيث يتابع حالته طبيب خاص يقوم بزيارة المصاب دورياً.
تكلفة باهظة فوق الإهمال
في حالة سمر، كان حتمياً إدخال والدتها التي أصيبت بفيروس كورونا إلى مستشفى خاص في دمشق حيث تقيم. إذ تعاني الأم، 58 عاماً، من أمراض القلب والسكري والضغط، ما يوجب متابعة حالتها طبياً، فيما المستشفيات الحكومية “مهملة”، “الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود”، بتعبير سمر. مضيفة أنه عدا عن “وجود عدة مرضى في الغرفة الواحدة، فإنه يتم نقل المنفسة [جهاز التنفس الاصطناعي] من فم مريض إلى آخر من دون تعقيم وتنظيف، فالبشر مكدسين فوق بعضهم”.
لكن تجربة الصحافية سمر، خلال رحلة علاج والدتها، أظهرت أن الحال في المستشفيات الخاصة ليست أفضل بكثير مما هي في المستشفيات الحكومية. فإلى جانب “التكلفة العالية التي وصلت إلى مئات آلاف الليرات، في حال قرروا استقبالك، فإن تعامل الكادر الطبي معنا لم يكن جيداً، إذ عاملنا كحثالة”، كما قالت لـ”سوريا على طول”. موضحة أنه “بينما كانت والدتي تعاني من ضيق حاد في التنفس، كان الطبيب يطلب منها وضع الكمامة، ما تسببت في زيادة شعورها بالاختناق”، كما إنه لم يستجب لطلب سمر المتكرر وضع والدتها على جهاز التنفس الاصطناعي.
فوق ذلك، رفض المستشفى إكمال علاج والدة سمر المصابة بفيروس كورونا من دون تبرير القرار، ما اضطر العائلة إلى “إحضار طبيب خاص للبيت يشرف على علاجها، ويتابع حالتها بشكل يومي”، وهو ما كلف العائلة، بحسب سمر، قرابة “مليون ونصف المليون ليرة”، تعادل 570 دولاراً أميركيا، بحسب سعر صرف السوق السوداء البالغ 2,620 ليرة للدولار.
في هذا السياق، يقدر متوسط دخل الفرد في سوريا بحوالي 50 ألف ليرة شهرياً (17.5 دولار)، في مقابل الحاجة إلى 600 ألف ليرة (210 دولارات)، وفق تقديرات الاتحاد العام لنقابات العمال في سوريا التابع لحكومة دمشق، لتغطية الاحتياجات الأساسية لأسرة مكونة من خمسة أفراد.
هذه التجربة الشخصية دفعت سمر وزوجها بعد إصابتهما بالفيروس إلى اتخاذ قرار عدم التوجه للمستشفيات؛ سواء الحكومية أو الخاصة، والاستعاضة عن ذلك بتلقي العلاج في المنزل رغم تكلفته الباهظة. وكما أوضحت سمر: “إذا أردت العلاج في البيت، وكانت صحتك تسمح بذلك، فإنك تحتاج لأنبوبة [أسطوانة] أوكسجين. لكن بصعوبة تستطيع تعبئتها، وبتكلفة باهظة تصل إلى 200 ألف ليرة للأنبوبة [76 دولاراً]. وهي اسطوانة أوكسجين عادية، وليست منفسة”.
معاناة جامعة
الحال في محافظة درعا يبدو مماثلاً لما سبق، كما تؤكد تجربة عبد الحكيم، من مدينة إنخل شمال درعا، خلال رحلة تعافي والده الخمسيني. إذ بسبب الوضع المتهالك للمستشفيات الحكومية التي وصفها بـ”المسالخ”، والتي تسودها الفوضى، حيث يخالط مرضى كورونا مراجعي الفحوص العامة أو مرضى العمليات الباردة [غير الخطرة] والطوارئ”، قرر عبد الحكيم، كما ذكر لـ”سوريا على طول”، توفير علاج منزلي لوالده، بتكلفة 250 ألف ليرة (95 دولاراً)، تشمل ثمن الأدوية. مؤكداً أن هذا هو الإجراء المتبع لدى غالبية سكان المنطقة؛ إذ بمجرد “الاشتباه بالإصابة، يحجر الشخص نفسه في المنزل. وإذا احتاج طبيباً فإنه يلجأ لطبيب خاص يتابع حالته إلى حين التعافي”.
وفيما ألزمت مديرية الصحة في درعا المستشفيات باستقبال جميع حالات الإصابة بكورونا، أكد الطبيب خليل، العامل في مستوصف حكومي بريف درعا، أن حال المستشفيات الحكومية السيء والتي تعاني من الاكتظاظ وانخفاض قدرتها الاستيعابية، سببت عزوف الأهالي عن التوجه للعلاج فيها. وهو ما يضاف إلى مشكلة كلفة المواصلات العالية للوصول إلى المستشفى.
أما في حال المستشفيات الخاصة، فيفسر عزوف “الناس عن الذهاب للعلاج فيها”، كما أضاف خليل لـ”سوريا على طول”، بـ”التكاليف الباهظة للغاية التي سيدفعها المصاب حتى يلقى الرعاية المناسبة، في ظل سوء الوضع المعيشي لطبقة كبيرة من المجتمع في درعا”.
وبحسب شهادات لأقارب مرضى بفيروس كورونا وثقتها منظمة العفو الدولية في تقرير لها الشهر الماضي، فإن “المستشفيات العامة اضطرت إلى إبعاد المرضى بسبب نقص الأسّرة، وأسطوانات الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي”.
الخوف من الجوع أشد
“أطفالي سيموتون جوعاً”، فسر أبو هاني عزوفه عن تلقي العلاج في مستشفى حكومي بعد إصابته بكورونا بداية أيلول/سبتمبر الماضي.
ويعتاش أبو هاني، 45 عاماً والأب لأربعة أطفال، من العمل على بسطة خضار في أحد أسواق مدينة حلب المكتظة، حيث “التقطت العدوى هناك”، كما قال لـ”سوريا على طول”. وقد ابتدأت الأعراض عند أبو هاني بعد يوم اعتيادي في العمل، مشابهة لأعراض الأنفلونزا الحادة، كما روى. لكن خشيته من أن يكون مصاباً بفيروس كورونا، دفعته للتوجه لطبيب من زبائنه، والذي طلب منه التوجه لأحد المستشفيات الحكومية لإجراء فحص كورونا.
لكن، بدلاً من التوجه للمستشفى، قرر أبو هاني العودة للمنزل والتكتم على إصابته بالفيروس؛ إذ “سأفقد زبائني وعملي إن عرفوا بإصابتي بالفيروس؛ فكيف أطعم أطفالي الأربعة؟”.
وكانت الامم المتحدة حذرت مؤخراً من الأثر المدمر لوباء كورونا على سكان سوريا عموماً، نتيجة تفشي الفقر والجوع وعدم توفر معدات وقاية شخصية كافية. إذ يعيش” تسعة من أصل عشرة” سوريين “على دولارين في اليوم”.
كل ما سبق يفاقم مشكلة بُعْد أعداد الإصابات المعلنة من حكومة دمشق عن الحقيقة.
Social Links: