زكي الدروبي
ضربة أمنية والخروج من سوريا :
دعانا أبو مطيع لحضور اجتماع “حلبون” الذي نجم عنه تشكيل هيئة التنسيق، وكانت الدعوة مخصصة لي ولأبو مازن، لأننا أصحاب الأرض ونحن الأحق بالمشاركة والحديث، لكننا اعتذرنا فقد خرجنا من حينا بعد استيلاء الجيش عليه، وأضعنا الأصدقاء في التنسيقيات ولا نعرف عنهم شيء، وكنا قلقين على مصيرهم، ولم يكن لدينا ذهن صافي لهذا العمل، وفوضناه بالحديث عننا.
بعد الخروج من الحي لملمنا أنفسنا وأعدنا تشكيل التنسيقية، وقررنا أن نتابع من حي القصور، حيث كان صديقنا وسيم أحد أعضاء تنسيقيات حمص القديمة مسؤولا عن التنسيقية فيها، واتفقت مع أبو مطيع على تخطيط اللافتات في مكتبه، ويمكن أن نخرجها يوم الجمعة إلى الحي القريب من مكتبه دون أن نلفت الانتباه، وفعلاً اشتريت القماش وذهبت لمكتبه حسب الموعد لانتظر قدوم الخطاط، لكنه فاجأني بخبر اعتقال ابن عمي الشهيد المحامي عماد الدروبي.
لم أصدق الخبر بداية وقلت له منذ قليل اتصلت به، فأكد أنه اعتقل من القصر العدلي بحدود الساعة الفلانية، فنظرت لهاتفي لأرى متى كانت مكالمتي معه، ووجدت بأنني كلمته قبل اعتقاله بنحو عشرون دقيقة، فحذرني أبو مطيع بضرورة تغيير مكان اختفائي، وقفل هاتفي والاختفاء لفترة ريثما نرى ماذا سيحدث.
ذهبت لجلب الخطاط من المكان المتفق عليه حسب الموعد، وعدت لأجد مكتب أبو مطيع فارغاً، والنوافذ والأبواب مفتوحة والهواء يلعب بالأوراق التي أطاح بها من طاولة المكتب للأرض. اتصلت بأبو مطيع ليقول لي بلهجة حازمة إن أنهيت عملك أخرج بسرعة أغلق الباب خلفك.
خرجت فوراً واتفقت مع الخطاط على الاتصال به لتحديد موعد آخر، لكن لهجته وتحذيره أوحى بأن هناك أمراً جلل، وخفت أن لا استطيع الصمود تحت التعذيب في فروع الأمن إن اعتقلت، وأكشف الأصدقاء الذين ننشط مع بعضنا البعض بالتنسيقيات، فوضعت خطة سريعة وخلال ساعات كنت خارج سوريا متجهاً إلى بيروت.
انتظرت لعشرة أيام فيها، ثم دعاني أبو مطيع للعودة إلى حمص، وعدت مساءاً، وفي صباح اليوم الثاني اتصلت به لأشرب معه قهوته الصباحية كما اعتدت، ونناقش مع بعضنا البعض ما حدث، وخطط العمل القادم لأفاجأ بأنه مختفي منذ اليوم السابق. ذهبت لمنزله فوراً لأعلم هناك أنه معتقل لدى فرع المخابرات الجوية.
كانت ضربة كبرى للعمل، فهو الوحيد الذي يعرف تفاصيل العمل والتشكيلات العاملة، وأنا لا أعرف أكثر من المجموعة الصغيرة التي أنشط معها، والتنسيق مع بقية الأحياء والمدن في ريف حمص وفي سوريا كان من صلب عمله، فلم أدري ماذا أفعل؟.
لم أستسلم، بدأت بالبحث عن كوادر التنسيقيات في الأحياء الأخرى، وكتبت ورقة سياسية لنعلن اتحاداً للتنسيقيات، وأطلعت عليها الدكتور الطيب التيزيني رحمه الله، فصوب لي بعض الأفكار، وانطلقت أبحث عن منسقي المظاهرات في بقية الأحياء بحمص، لأعرضها عليهم، لكني لم أستطع الوصول سوى لجزء منهم، وكانت أصوات الرصاص والطائفية ترتفع أكبر من أصوات المظاهرات، وبدأ السلاح يهيمن على عمل التنسيقيات ويفرض علينا أشياء لا نريدها، وشيئاً فشيئاً تحولت حمص للعمل العسكري، ويئست من إمكانية العمل في هذه الأجواء المشحونة، فقررت بنهاية عام 2011 الخروج من سوريا، ولم أستطع اللقاء مع أبو مطيع حين خرج من السجن، وسافرت إلى القاهرة، وهو استقر في دمشق، ومن القاهرة كنت اتواصل مع أصدقاء، وأرسل لهم عن نشاط القاهرة واطلب منه المشورة، لينقلوا له رسالتي ويعودوا بالإجابة، كما كنت أتواصل مع تنسيقيات أخرى في مدن أخرى، عبر السكايب وأجمعهم معه.
التقيت معه في القاهرة حين زارها للقاء مع الجامعة العربية، ومن ثم من أجل مؤتمر القاهرة لوحدة المعارضة السورية، حيث كان ضمن اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وبعد نهاية المؤتمر كنت أحثه على البقاء في القاهرة، إذ أن عودته إلى دمشق وهو الذي كان باللجنة التحضيرية للمؤتمر، وقد وضعت بوثائق المؤتمر بأن المرحلة الانتقالية تبدأ من رحيل بشار الأسد فيه خطر كبير عليه، فقال معك حق لكن لا أستطيع ترك سوريا، ويجب علي العودة للعمل من الداخل مع الشباب الثائر.
وفعلا بمجرد عودته اعتقل للمرة الثانية ثم أطلق سراحه، ليظهر بعد عدة أيام أحد الأصدقاء الذين كانوا يشاركونا العمل في التنسيقيات، ويعلن عبر شاشة تلفزيون النظام أن أبو مطيع وزكي هما من أسسا التنسيقيات وأمدوه بالسلاح وحرضوه على قتل عناصر الجيش، فاتصلت بالأصدقاء بدمشق فوراً طالباً منهم إخباره بما حصل.
كان واضحاً أنهم تركوه بعد اعتقال بسيط، ليخرجوا هذا الشاب ويعترف كذباً بأنه من حرض على قتل عناصر الجيش، ثم يقتلون أبو مطيع، ويعلنون أن موته كان ردة فعل من أهالي العسكر والنظام بريء من هذه الفعلة.
عاد أبو مطيع للقاهرة مرة أخرى حيث استقر فيها، ومارس نشاطه السياسي والثوري مع شباب الثورة السورية ومع شباب ثورة يناير المصرية، إلى أن طرده نظام السيسي من مصر فاستقر في اسطنبول حتى وفاته.
Social Links: