عماد كركص – العربي الجديد
أثارت إحاطة المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، يوم أمس الأربعاء، أمام مجلس الأمن، حول سير أعمال اللجنة الدستورية، لا سيما خلال جولتها الأخيرة (الرابعة)، ردود أفعال غاضبة من جهة المعارضة السورية، بعد استخدام بيدرسون مصطلح “العدالة التصالحية”.
واستخدم بيدرسون مصطلح “العدالة التصالحية” للإشارة إلى أنه تلقى نقاطاً ومقترحات بهذا الجانب من قبل الثلث الثالث في اللجنة (المجتمع المدني)، الأمر الذي أثار حفيظة المعارضة، فيما رد أعضاء في قائمة المجتمع المدني داخل اللجنة، موضحين حدوث أخطاء بالترجمة، ونفوا طرحهم لهذا المصطلح.
وفي معرض حديثه عن الجولة الماضية خلال الدورة، قال بيدرسون إنّ أعضاء اللجنة ناقشوا عدداً كبيراً من المسائل، وبنهاية الأسبوع، قدم أعضاء اللجنة المسمون من قبل الحكومة والمعارضة مواقفهم كتابةً في شكل مداخلات عامة.
وأوضح بيدرسون أن “الوفد المسمى من قبل الحكومة السورية قدم ثمانية مبادئ تتعلق بمكافحة الإرهاب، وإدانة الأيديولوجيات الإرهابية ودعم الإرهابيين، وإدانة الإجراءات القسرية أحادية الجانب، وإدانة احتلال الأراضي السورية، ورفض التقسيم والمشاريع الانفصالية، ودعم الجيش العربي السوري، والترويج للهوية الوطنية، وحماية التنوع الثقافي، وتشجيع وضمان عودة اللاجئين، ومعالجة القضايا الإنسانية. وقد تم عرض هذه المسائل على أنها ضمن الأسس والمبادئ الوطنية، وكما شدد الوفد، فإنها لم ترتبط بشكل واضح بنص دستوري مستقبلي”.
وأضاف بيدرسون أن “الوفد المسمى من قبل هيئة المفاوضات السورية عرض 23 نقطة تناولت مجموعة من المبادئ، بما في ذلك سيادة سورية، وسلامتها الإقليمية، والعلاقات الدولية والالتزام بالقانون الدولي، والهوية الوطنية، والتنوع الثقافي، والديمقراطية، والتعددية السياسية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، والفساد، والإرهاب، والمواطنة، وعودة اللاجئين، والحقوق والحريات، والمبادئ الاجتماعية والاقتصادية. وقد تم تأطير هذه النقاط من قبل الوفد على أنها ترتكز على المبادئ الاثني عشر الحية الأساسية التي تم التأكيد عليها في سوتشي وعلى ولاية اللجنة، وتم تقديمها من قبل الوفد كنقاط قابلة للتطوير، وصالحة لأن تكون جزءاً من المبادئ الأساسية في دستور جديد”.
ولفت بيدرسون كذلك إلى أن “بعض أعضاء المجتمع المدني من الثلث الأوسط قدموا نقاطاً تتعلق بشروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، وقضايا أخرى ذات الصلة مثل إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة التصالحية، والآليات الدستورية المستقلة والحيادية ذات الصلة، بينما قدم أعضاء آخرون مداخلات حول عدد من القضايا، على سبيل المثال الحاجة لمواجهة الإرهاب، والعقوبات، والسيادة وسلامة الأراضي”.
وأوضح المبعوث الأممي أن الجولة تخللتها “اختلافات في المواقف وسرد وقائع واضحة داخل اللجنة، وساد التوتر في بعض الأحيان”، غير أنه تحدث أيضاً عن نواح إيجابية تضمنتها النقاشات عبر عنها بالقول “كان هناك طرح للمواقف بشكل ملموس، وقد شعرت ببعض التشجيع بسبب استماع الأعضاء لبعضهم البعض باهتمام واحترام، وقلت نسبة المقاطعة ونقاط النظام عن ذي قبل”.
بيد أن استخدام مصطلح “العدالة التصالحية” من قبل بيدرسون ضمن إحاطته حول أعمال اللجنة، دفع المعارضة للرد عليه عبر رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة نصر الحريري، الذي قال “مضت سنة وثلاثة أشهر على تشكيل اللجنة الدستورية، والمبعوث الدولي يتجنب أو لم يستطع تفعيل باقي المحاور في 2254 ثم يخرج علينا بما يسمى (العدالة التصالحية) مع قاتل المليون شهيد”.
وأضاف الحريري في معرض رده: “نحن وشركاؤنا والأمم المتحدة أمام تحدٍ أخلاقي قبل كل شيء، علينا مواجهته جميعاً ورفض النظام للحل لا يكافأ بمجاراته”.
وأشار الحريري إلى أن “العدالة في سورية واحدة، ولا نقبل الانزياح عنها، عدالة انتقالية تأخذ لملايين السوريين حقوقهم، حسب ما تقتضيه العهود والأعراف الدولية، وما نصت عليه قرارات مجلس الأمن، يحاسب فيها كل من ارتكب الجرائم تجاه الشعب السوري، ويتم جبر الضرر وتعويض كل من أوذي بجريرة هذا النظام المجرم وفظاعاته”.
من جهته قال رئيس “هيئة التفاوض السورية” أنس العبدة، في تغريدات له على “تويتر”، اليوم الخميس، إنّ “سلة الحكم وهيئة الحكم الانتقالي هي جوهر القرار الأممي (2254)، ومهمة تيسير تنفيذه منوطة بالمبعوث الأممي إلى سورية، حسب التفويض الممنوح له من قبل مجلس الأمن، وقبولنا الحديث عن الدستور حالياً لا يعني أننا تجاوزنا هذا الجوهر الرئيسي، فلا معنى للدستور دون مرحلة حكم انتقالي”.
وأكد العبدة أنّ “سلة الحكم الانتقالي هي عصب القرار، وطريق رئيسي في تنفيذ القرار الأممي”، معرباً عن قلقه للغاية من غياب الحديث عن هذه السلة في إحاطة بيدرسون أمس الأربعاء، والتي قبلها. وأضاف “نحن، السوريين، خارطة جهودنا واضحة (القرار 2254)، ومهمة بيدرسون هي تنفيذ هذه الخارطة دون تغييب أي تفصيل فيها”.
وشدد على أنّ “هيئة الحكم الانتقالي، وبالضرورة معها العدالة الانتقالية، هي أعصاب لا ينبغي أن تُغيبها الأمم المتحدة ومبعوثها، لأن ذلك سيعني تمييعا للقرار الأممي 2254 وحرف مساره نحو خطوات تخدم النظام، ولا أحد سوى النظام”.
وصباح اليوم الخميس، أصدر ستة من أعضاء قائمة (المجتمع المدني) داخل الهيئة المصغرة للجنة، بياناً صوبوا فيه ما قالوا إنها أخطاء تم فهمها من مداخلتهم، كما ورد في إحاطة المبعوث الأممي في مجلس الأمن.
وذكر البيان أنه “ورد في النسخة الإنكليزية من الإحاطة أنّ بعض أعضاء وفد الثلث الثالث قدموا نقاطاً منها ما تحدث عن “restorative justice”، وهو ما تمت ترجمته في النسخة العربية بـ”العدالة التصالحية”، وهذا المصطلح لم يرد في أي كلمة من كلماتنا أثناء الجولة الأخيرة، فقد قدمنا مداخلات حول العدالة الانتقالية “Transitional Justice”، وكلماتنا مسجلة، وبعضها قد تم طبعه وتوزيعه على الموجودين في الجولة”.
وأضاف البيان “كما قدم ستة من أعضاء الثلث الثالث ورقة عن عودة اللاجئين، تم فيها استخدام مصطلح “العدالة التعويضية” خلال الحديث عن حق اللاجئين باسترداد ممتلكاتهم، وألا يُلجأ للتعويض إلا في حال تعذر الرد كالتالي: “…وضمان حقوقهم في أن يستعيدوا أي مساكن أو أراضٍ أو ممتلكات حُرموا منها بطريقة تعسفية أو غير قانونية، وأن يُعتبر الرد سبيل الإنصاف المفضل، وعنصراً أساسياً من عناصر العدالة التعويضية”.
وأشار الأعضاء الستة، خلال البيان، إلى أنه “بما أننا لا نستطيع مشاركة مداخلاتنا ولا محاضر الجلسات مع العموم التزاماً بمدونة السلوك، فإننا نطالب الأمم المتحدة بأن يكون الحديث عن مداخلاتنا أكثر دقة، وألا يتم استخدام مصطلحات لم نستخدمها، وألا يتم اختزال ما قدمناه بطريقة يظهر فيها عمل الثلث الثالث هامشياً، رغم إيماننا بأن مسؤوليتنا تحتم علينا نقل آلام الناس وطرح مطالبهم وتلبية تطلعاتهم”.
ويُنظر للجولة المقبلة (الخامسة) من أعمال اللجنة الدستورية، في نهاية يناير/ كانون الثاني المقبل، على أنها ستكون مفصلية ومحطة هامة منذ انطلاق أعمالها قبل أكثر من عام، إذ من المفترض أن تباشر الهيئة المصغرة للجنة بمناقشة المضامين الدستورية، بعد أن نجح وفد النظام في تعطيل أعمال الجولات السابقة بفرض نقاشات جانبية طرحها على أنها ثوابت وركائز وطنية، بهدف المماطلة وإضاعة الوقت.
ويتوقع مراقبون لسير أعمال اللجنة الدستورية، أن يستمر النظام بسياسة الإغراق بالتفاصيل وتضييع الوقت، حتى الوصول إلى الانتخابات الرئاسية منتصف العام المقبل، ما يعني أنّ الجولة المقبلة من أعمال اللجنة قد تحمل إعلان موتها، في حال استمر النظام بهذه السياسة، كما هو المتوقع.
Social Links: