أيمن خالد _ نينار برس
من تقبيل يد الشيخ والركوع تحت قدميه بوصفه يعلم خفايا الأنفس، ويرى مريديه وهم يتقلبون في فراشهم، إلى تقبيل يد النظام وتقديم الولاء والطاعة، وخلق هاجس الرعب من النظام، بوصفه يعلم كل شي، كان قطاع واسع من المؤسسة الدينية في سوريا يلعب دور خائنة الأعين، ويعمل على استخراج ما في الصدور من مكنونات، واستبدالها بثقافة بعثية خالصة مغلفة بثوب ديني رقيق، يقوم على الولاء، والولاء فقط.
تاريخ المؤسسة الدينية مليء بالتشويق، والتشويش، كلا الأمرين يسيران معاً، فالنظام عاجز غير قادر على نقل الشعب إلى بيئته الحزبية، ورغم الترهيب والترغيب، كان المجتمع السوري يميل إلى الابتعاد عن السير في عتبات السياسة، فالترغيب أن تكون بعثياً خاصاً، بالدلالة التي تعني أن عليك أن تضع الدنيا خلف ظهرك، وتحمل قلماً وورقة، وتبدأ بكتابة دروسك اليومية، التي هي تقارير ووشايات بزملائك في العمل، والحي وحتى الأسرة، فالحزب قادر على تغيير الكون بمجمله، ولديه قيادة فريدة من نوعها، ستوحد العرب، وتهزم الغرب، وتعيد تشكيل أمة واحدة تحت رسالة بعثية غير قابلة للزوال.
والترهيب هو أنك عندما لا تؤدي هذا الدور، فالأعين، كل الأعين تراقبك، وأنت لا تدري من هو الذي سوف يشي بك، وشاية كيدية، كانت في فترة ما تعني خسارتك وظيفتك أو الحد من قدراتك في النجاح، أو النقل التعسفي من محافظة إلى أخرى، وباتت لاحقاً الاتهام السياسي، الذي يعني الخيانة العظمى، وبموجبها لن تصبح موجوداً في سجل الأحياء ولا الأموات، ما بين معتقلات المزة أو تدمر، ولاحقاً غيرها في مئات المخافر التي أحاطت بك من كل صوب، فيما تسمى المفارز الأمنية.
ليس بمقدور النظام حشد مئات الآلاف في دوائره البعثية الضيقة، ولم يكن الشعب السوري قادراً على أن يصبح نسخة من كوريا الشمالية، لأن الحدود العربية واسعة. وظلت تلك الحدود تستقبل أفواج السوريين الباحثين عن الحياة، الهاربين من دواعي القهر والابتزاز، غير أن مفارقة واحدة من بين ذلك كله، ثمة دوائر رسمية وغير رسمية، بقي يتسع روادها وحضورها، تلك بالضبط هي المؤسسة الدينية.
مئات المعاهد الدينية التي تقبل الطالب بمجرد حصوله على الشهادة الابتدائية، وليس مهماً أن تكون مزورة، أو مشتراة من بلد مجاور، وبظرف ست سنوات تالية، سيمتلك الطالب المتخرج شهادة تخوله بإدارة مسجد، وبذلك صعدت المؤسسة الدينية السورية كماً وعدداً، وانتشر طلبة العلم في الشوارع، وباتت سوريا مخولة لاستضافة طلبة الدراسات الدينية من أصقاع الأرض كافة، فكل شيء في سوريا بخير.
بمعزل عن الحديث عن المستوى التعليمي والجوانب الدينية كلها، فالمعلوم في سوريا أن المسجد يديره أربعة أفراد، الخادم والمؤذن والخطيب والإمام، وكانت المؤسسة الاستخبارية تشترط أن يكون أحد هؤلاء الأربعة عضواً مسجلاً في حزب البعث، ولا مانع أن يكون الثلاثة الباقين أو بعضاً منهم عملاء لأفرع المخابرات.
أما البعثي فهو منافس محتمل على الولاء، وهو يختلف عن فرع المخابرات المبني على أساس مختلف، وكان يبرز الولاء بقدرة المسجد على تقديم النظام الحاكم، وإقناع رواده أن الولاء للنظام هو من مرتكزات الإيمان، ما أدى ذلك إلى بروز التطرف الخفي، الذي تحول لاحقاً إلى تطرف علني، عندما باتت دمشق تصنع الجهاديين وترسلهم إلى العراق ومخيم نهر البارد في لبنان.
خطورة المؤسسة الدينية ليس بكونها مؤسسة استخبارية مبنية على الوشايات وتخدير الشارع وتطويعه للتصفيق خلف النظام، ولكن خطورتها أنها قصمت ظهر المجتمع السوري خلال عشر سنوات من أيام الحرب، فهذه المؤسسة لم يكن مطلوباً منها قبل عشر سنوات أن تقف إلى جانب المتظاهرين ضد النظام، بل كان المطلوب فقط، (كلمة صدق) وهي تشاهد ذبح المتظاهرين السلميين في شوارع المدن السورية.
أن تكون راهباً معتزلاً للحياة فهذا شأنك، ونحترم خيارك، ولكن أن تكون شاهد زور خلال عشر سنوات، وأن تصنع من بشار الأسد صلاح الدين الايوبي، وأن تبدأ من جديد معركة إعادة انتخابه فوق هذه البحار من الدم فمن أنت؟؟
رحم الله سوريا قبل مجيء المعاهد الدينية وقبل ما يسمى معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم.
Social Links: