عائشة صبري – آرام
يسعى الصيدلي أحمد المصطفى، جاهداً لتأمين الأدوية اللازمة للمرضى في محافظة إدلب شمالي سوريا، متسلِّحاً بالعزيمة والإصرار رغم الظروف الصعبة التي يعيشها في منطقة جعلها نظام الأسد وحليفه الروسي تعجُّ بالنازحين الذين هربوا من بطشه دون أن يحملوا معهم سوى بقايا أمل بانتصار الثورة السورية.
ويتخذ من صيدلية أسماها “آية” في إدلب المدينة مكاناً تلجأ إليه مئات العائلات يومياً كي يحصلوا على الدواء مجاناً إضافة إلى تأمين الأدوية الغالية الثمن، والتي لا يستطيع أحد تأمينها وسط ظروف معيشية قاسية.
ونظراً للحاجة المُلحّة بعد تجاوز عدد المستفيدين شهرياً من الدواء عتبة الثلاثين ألف مستفيد، إضافة إلى العوز الكبير في ريف إدلب الجنوبي الجريح، وريف جسر الشغور الشرقي قرّرت إدارة صيدلية “آية” بالتعاون مع جمعية “مرج دابق”، افتتاح فرعٍ ثانٍ لها في مدينة أريحا جنوب إدلب كي تُلبّي الاحتياجات المتزايدة يوماً بعد يومٍ.
أحمد المصطفى.
افتتاحُ فرعٍ ثانٍ
“المصطفى” (35 عاماً) المنحدر من قرية كنصفرة جنوب إدلب، يعتزم افتتاح الفرع الثاني للصيدلية الخيرية مطلع العام الجديد، موضحاً في حديثه لشبكة “آرام” أنَّ التجهيز اللوجستي بدأ مطلع الشهر الحالي واقترب من الانتهاء على أن يبدأ العمل في الصيدلية الجديدة مع قدوم الشهر الأول من العام المقبل.
والصيدلية عبارة عن جهود ذاتية يقوم بها كادر متكامل بشكل تطوعي، وقوامه خمسة أشخاص من صيادلة وفنيين يحاولون جاهدين تلبية كافة الاحتياجات الدوائية وزيادة موارد الأدوية العامة والخاصة، حيث يقصدها المستفيدون حتى من مناطق شمال حلب وشمال اللاذقية.
وتحوي من الأدوية الأصناف النوعية كبعض الأصناف السرطانية والمناعية وأدوية الكلى وأخرى مزمنة بنسبة 70 بالمئة من الأصناف المتداولة، إضافة إلى أدوية رعاية أولية وثانوية، وتعتمد على التبرعات العينية الدوائية والمالية لترميم الصيدلية ورفدها بالنواقص.
وسيكون العمل في الصيدليتين بشكل متكامل، ففي مدينة إدلب سيكون طور الدوام لصرف الدواء بشكل صباحي من التاسعة إلى الثانية ظهراً، وفي مدينة أريحا سيكون وقت الدوام لصرف الدواء من الثانية ظهراً حتى الساعة السادسة مساءً، وفق قول الصيدلي.
ويعود افتتاح الصيدلية إلى منتصف العام 2013 بالتزامن مع تحرُّر مساحات شاسعة من قبضة نظام الأسد، إذ قرَّر “المصطفى” بالتعاون مع أطباء عرب وسورين قدموا إلى سوريا كزيارة افتتاح “صيدلية خيرية” تُقدّم الدواء مجاناً للمرضى في ريف إدلب الجنوبي، وكانت كمية الدواء جيّدة استمرّ تقديمها لعدة أشهر إلى أن انتهت الكمية الدوائية.
أمّا سبب اختيار التسميَّة فيعود، لطبيبة مصرية تدعى “آية” وزوجها الطبيب “محمد العايد” كانا ضمن زيارة الوفد العربي الذي حضر الافتتاح، وقدَّموا كمية كبيرة من الأدوية، ووزّع الصيدلي قسم منها إلى المراكز الطبية حينها، فاختار الاسم تعبيراً عن الامتنان لهما بوقوفهما إلى جانب الشعب السوري.
مرحلة استمرار الصيدلية
بعد نفاذ كمية الدواء المقدَّمة من الوفد العربي، بدأ “المصطفى” رحلة البحث عن متبرعين لشراء الدواء، وذلك بسبب إلحاح الناس والحاجة للدواء المجاني نتيجة تردّي الأوضاع المادية لديهم، وتنقّل بالصيدلية ضمن أرياف إدلب، وانتقل من عمل إلى آخر، وتارة تُغلق الصيدلية لأسابيع لنفاذ كمية الدواء والضائقة المالية، ثم يُعاود فتحها من جديد بعد تأمين الدواء.
واستمرّت صيدلية “آية” على هذا الحال، وكان الصيدلي وحيداً في هذا العمل، إلى أن وصل إلى إدارة المكتب الطبي في الداخل السوري لمنظمة “IHH” التركية، فاكتسب الخبرة الجيدة والعلاقات الممتازة والوارد الدوائي.
وبعد مرور عام في إدارة المكتب الطبّي بمعبر باب الهوى الحدودي شمال إدلب قرَّر “المصطفى” الانطلاق بمشروع الصيدلية بحلّة جديدة بحيث تُغطّي المحرَّر بالكامل، وتكون المشروع الوحيد المختص دوائياً، وكانت الوجهة مدينة إدلب لتوسُّطها الشمال المحرَّر بالكامل، ولكثافة السكان الكبيرة مع موجات التهجير القسري المتكرِّر.
معتقل سابق
أحمد المصطفى، اعتقله الأمن العسكري منذ بواكير الثورة السورية، عند القيام بواجبه الإنساني والمهني في مشفى إدلب الوطني في 15 / 5 / 2011.
وقال: “كنتُ أعالج جرحى المظاهرات سرّاً في المشفى، وفي يوم الاعتقال كان عددهم نحو 30 جريحاً تم علاجهم دون بنج وفي غرفة غسيل الملابس كونه ممنوع دخولهم غرفة العمليات”.
وأضاف “أجريت حيلة عبر ختم أوراق فارغة بأسماء وهمية لهؤلاء الجرحى، وكانت أصعب حالة بينهم مصاب بالمثانة، فكلما يصرخ أثناء إخراج الطلقة، كان دوري الضغط على فمه كي لا يُسمع صراخه”.
وأردف “وبعد علاج الجرحى تم تخبئة كل جريح بين سريري نساء في غرفة المخاض، ثم أخرجت الجرحى عبر الباب الخلفي، لكن تم اعتقالي بسبب حملي لملابس الجرحى المدماة ومحاولتي إحراقها في الشارع”.
واستمرّ اعتقاله لمدة عام وشهرين تنقل خلالها في الأفرع الأمنية بمدن إدلب ودرعا والسويداء ودمشق، حيث عانى كثيراً وحصلت معه الكثير من القصص المؤثرة، حاله كحال معظم السجناء السياسيين في سجون نظام الأسد.
ويذكر لنا “المصطفى” أنَّه من أصعب مراحل السجن التي قضاها من منفردة لمنفردة ذاق فيها جميع أنواع التعذيب، هو إدخال جرذ معه لكنَّه لم يؤذيه كونه قدَّم له طعامه.
ووصل إلى مرحلة نسيان اسمه، والترنّح بين الحياة والموت في فرع الـ48 المعروف بفرع التحقيق الأول، ولا يخرج منه السجين سوى إلى الإعدام أو التحويل إلى سجن صيدنايا، وعند إدراكه بأنَّه ميّت لا محالة، رأى والدته تبشِّره بالخروج من السجن في رؤية رآها كاليقظة.
ونُقل بعدها لسجن في حي القابون الدمشقي، ثم أُحيل للقضاء العسكري، وهنا ارتاح بعض الشيء من تعذيب الأفرع الأمنية، حيث نقل إلى الفوج 175 العسكري في السويداء ووضع في منفردة ولم يكن هناك تواصل سوى حفرة صغيرة تمكن أشخاص من ريف دمشق خلالها من إدخال نقود وطعام.
وبعد مرور نحو شهر، حدث ما يُسمَّى بتسوية أوضاع في جيش الأسد، فتبّدل الضابط الذي كان يُهدِّده بالإعدام، فقابل الضابط الجديد بعد دفعه مبلغاً للحارس حصل عليه عبر الحفرة من حائط السجن، وقال للضابط أريد التطوع للعمل في الجيش.
إلى أن خرج من السجن تائهاً في محافظة السويداء ليصل إلى قرية “سهوة الخضر” إذ ساعده أحد مشايخ الدروز حتى عاد إلى منطقته في مطلع تموز/يوليو 2012.
وبعد خروجه ليرى النور من جديد، وصل إلى قريته “كنصفرة” في جبل الزاوية، وكانت آنذاك ما تزال تحت قبضة نظام الأسد، ليستقر مختبئاً في الجبال بجوار القرية، واقتنى حقيبة إسعافات حيث رافقته لمدة عام يدخل بها القرى والبلدات ليساهم بتضميد وإسعاف الجرحى.
Social Links: