ترى، لماذا يتم التركيز على الأطفال الحسان من ذوي البشرة البيضاء والعيون الخضر أو الزرق، خلال نشر مأساة السوريين وتسويق معيشة المخيمات ومآسي التهجير والنزوح؟!
هل لأن الجمال مؤثر وحامل أكثر للرسائل، ولا تستوي الرحمة والعطف والشعور بالآخرين، إلا من خلال طفلة شقراء أو ولد يقارب النبي يوسف بجماله؟!
أم ترى من الطبيعي لطفل بملامح عادية أو قبيح المنظر، أن يجوع ويتشرّد ويغوص بالوحل، في حين لا يجوز أن يتعرض طفل جميل لتلك المرمطة؟!
سؤال أتركه لمن يهمهم الأمر، للتفكير والتفكّر، لأنتقل منه لسؤال ثان.
ترى لماذا قصة بابا نويل “سانتا كلوز” المستمرة منذ القرن الخامس عشر، وقت خطر لأسقف ميرا القديس نيوكولاس، مواساة الفقراء والطوّاف على الأسر ليزرع، عبر هداياه، الفرحة من دون أن يعلمهم بمن هو، لماذا منذ ذاك وبابا نويل رجل أشقر، أو أبيض البشرة، ولم يخطر، لمصنعي الدمى أو حتى للمحال التي تضع “بابا نويل” كديكور أو توظف رجلاً بهيئته كعامل تسويق وجذب، أن يضعوا بابا نويل أسمر أو أسود البشرة…أوليس الميلاد لنبي الرحمة والسلام عيسى وليس لجويش هارمر مضطهد الهنود الحمر.
هنا، أطلب ذلك للتنويع وتحقيق العدالة ولئلا يتكرس لدى الأطفال خاصة، أن أصحاب البشرة الفاتحة، أكثر كرماً وذكاء من أصحاب البشرة الداكنة.
أكثر مما أطالب، من قبيل الفزلكة والاتهام بالعنصرية، إذ رواج هذه النغمة أخيراً، وخاصة “الجندرة” والمتاجرة بحقوق المرأة، أكلت الكثير من المعنى والمغزى والحقوق، واعتمدها كثيرون كمطية لتحقيق مآرب أخر.
قصارى القول: تصدر السوريون، ولأول مرة يتصدرون بالتاريخ، عدد المهاجرين حول العالم، بنسبة تقترب من 9% وبعدد يفوق 6.6 مليون، ومثلهم أو ربما أكثر، نازحين، بعد أن اضطر واحد من بين اثنين من الرجال والنساء والأطفال السوريين للنزوح قسراً منذ بداية الثورة في مارس 2011 – ولأكثر من مرة واحدة في أغلب الأحيان، ليكون السوريون بمجملهم، الأولى بابا نويل هذا العام، إن للتذكير بمآسيهم وقت لن يجد بابا نويل بيتاً يهبط من مدخنته ولا باباً يطرقه ليوزع هداياه، لأن مخيمات لجوء السوريين مشرعة أبوابها للضيف، كما للبرد والجوع وعدسات التجار، من أصحاب اللحى المستعارة والمنظمات المتقنعة بأثواب إنسانية.
وهم الأولى أيضاً بهدايا بابا نويل، ولكن غير تلك المعتادة، من ألعاب وألواح شوكولاة ومكعبات حلوى، فحبذا أن يغيّر بابا نويل من طبيعة هداياه، لتشمل الخبز والمازوت، لأن معدة تقرقر لن تسكتها دمية وجسد يرتجف لن يدفئه جرس أو كرات ملونة.
وبسياق مآسي السوريين يكون الولوج للمرأة واجب. فهل شهد العصر الحديث، سيدات طال عذابهن كما السوريات.
كم خنساء سورية اليوم، فقدت من الأشقاء والأبناء ما يجعل “تماضر السلمية” تقف أمامها بحزن واحترام ودهشة لصمودها على مدى تسع سنوات، بأخذ دور الأم والأب والأخ، فتجوع وتبرد، لئلا يجوع كفلاؤها أو تأكل من ثدييها.
وكم من مئات، بل آلاف السوريات بالمعتقلات أو كنّ، تعرضن للاغتصاب والتجويع والتشويه والإذلال، ما يثير دهشة “نرجس محمدي” التي دخلت بعذابات واغتصاب سجانيها بإيران، عجائب دنيا السجون.
وكم وكمكم من ثكالى سوريات وأرامل وعانسات سوريات اليوم، يتقلبن على جمر الحاجة والحرمان، من دون سند أو داعم أو حتى أمل يلوح قبل نهاية العمر..
نهاية القول: أوليس المرأة السورية اليوم، هي الأوّلى بلبس ثياب “سانتا كروز” ولو تبدل الجنس وتغيرت الهيئة والملامح، علّ أطفال العالم المتحضر، الذين اعتادوا بابا نويل، عجوزاً أشقراً سميناً مبتسماً ويحمل بكيس هداياه الأحمر، الحلوى والهدايا، أن يعتادوا سيدة سورية سمراء نحيلة هدتها مصاعب الحياة ومصائبها، توزع على الأغنياء والمحتفين بالأعياد، من كيس مؤونتها ما تيسّر، من تين يابس وحبات زيتون وكسرات خبز…
وقتها، وإن تعممت هكذا حالة، برمزيتها أو ماديتها، وتبنتها منظمات إنسانية وحقوقية دولية، يا سيدي ليس دولية، عربية أو سورية، يمكن أن يلوح لأي حالم بهذا الزمان التعيس، بارقة أمل بعدالة أو إنسانية…أو يصدّق أن المحتفلين أبناء المسيح أو مؤمنين بإنسانيته ورسالته.
Social Links: