برلمان سوري مصغر خلال حقبة ذهبية من تاريخ سورية

برلمان سوري مصغر خلال حقبة ذهبية من تاريخ سورية

بثينة الخليل – الرافد :

مقهى، كان بمثابة مجلس شعب صغير يقع في شارع العابد الدمشقي، كان ملتقى الأدباء والفنانين والصحافيين والأطباء والضباط والمحامين، ومكاناً يرتاده نواب وسياسيون سوريون بعد الانتهاء من جلسات البرلمان السوري الذي يبعد عنه بضعة أمتار، كما كان يرتاده السياسيون العراقيون المنفيين في أربعينات القرن الماضي.

فكم من روايات ومسلسلات كتبت في هذا المقهى، وكم من لقاءات صحفية وجرائد حررت فيه وكم من اجتماعات عمل ومخططات رسمت فيه. ليبقى هذا المقهى العتيق الذي يدعى “مقهى الروضة” محفورا في ذاكرة كل سوري.

كنا نرى في المقهى قامات فنية في الدراما السورية، منها الراحلون عدنان بركات، أنور البابا، سعد الدين بقدونس وتيسير السعدي وغيرهم، إضافة لنجوم كرة القدم السورية أمثال فارس سلطجي وأنور عبد القادر، وليد إسلام، وطارق علوش، وبطل الشرق الأوسط في لعبة الشطرنج عماد حقي، إضافة لوجوه سينمائية عظيمة كمحمد ملص، أسامة محمد، عصام سليمان.

ظهر مقهى الروضة عام 1938 – 1939 غي عقار كان دار سينما مملوكي، وعندما بدأ بناؤه كمقهى لم يكن بهذا الشكل والحجم الذي نراه اليوم، حيث بقيت أرضه مفروشة بالتراب حتى بداية السبعينات.

يقول الكاتب والمؤرخ السوري “سامي مبيض”، “أن هناك شيء ما نسميه معالم بشرية في المدينة، أي أن هناك مدن تتغير كاملة أما الأشخاص يبقون على حالهم لا يتغيروا منهم بائع الجرائد الذي يجلس قرب المقهى إضافة لأشخاص بداخلها منهم النادل” حكم صقر” ، المدينة تغيرت وحكم مازال موجودا فيها”.

ويدمدم النادل “حكم صقر” الذي عمل في المقهى منذ عام 1975  بأغنيات تراثية وهو يحرك الملعقة داخل كأس الشاي ليذوب السكر فيه، ويقول” خمس وتسعون بالمئة هو إمكانية معرفتي ماذا يحب الزبون أن يشرب وأي ساعة يأتي، حتى أي ساعة يغادر المكان، وكم من الوقت كان يجلس” ويُكمل “حكم” بضحكة كلها حسرة وهو يقول، “لم يبق لي سوى أن أدخل لأعماق قلب الزبون وأعرف ماذا يريد أن يتحدث. أما عن علاقات المتوافدين إلى المقهى فكانت علاقة روح بروح، علاقة أخوة، صداقة، فإذا تغيبت عن المقهى الكل يسأل عني، وأحيانا عندما يغيب الزبون بسبب ما أحاول أن أستفسر من الذين يجلسون معه أين فلان وأبو فلان ليطمئن قلبي عليه”

أما بائع الجرائد الذي يبعد عن مقهى الروضة حوالي 4محلات تجارية، فيقول “أن عمر بسطتهم يعود لعام 1928 وأنه مر عليهم الكثير من الأدباء والسياسيين والمثقفين تركوا بصمة جميلة لديهم، كالأستاذ الراحل محمد الماغوط، والروائي وليد إخلاصي الذي كان لابد أن يمر بي عند قدومه من مدينته حلب ليأخذ معه بضعا من الجرائد إلى الروضة، ويشير البائع بإصبعه وهو يحمل بيده الأخرى عددا من الكتب إلى درج عتيق جانب بسطته ويقول” هنا كان يجلس وبصمت على هذا الدرج الأستاذ محمد الماغوط ليأخذ من هنا الماضي والتاريخ”.

سياسيين مروا بمقهى الروضة:

يملك مقهى الروضة ذاكرة سياسية كبيرة عبر شخصيات مرت به، فمن المعاصرين صفوان القدسي، ويوسف جعيداني. أما بعد جلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا بأربعينيات القرن الماضي، فكان المقهى مكاناً مفضلاً لنواب الأحزاب اليسارية وعلى رأسهم أكرم الحوراني، وفيما بعد ارتاده أيضا الرئيس نور الدين الأتاسي.

ومن أشهر ضيوف المقهى المحامي “هائل اليوسفي” مؤلف المسلسل الإذاعي السوري الشهير “حكم العدالة” فقد كان يأتي إلى المقهى صباحا ليكتب حلقة من مسلسله قبل يوم من تسليمها، فكان يخاطب نادل المقهى ويقول” اسمع حلقة اليوم من حكم العدالة لأنه يوجد مشهد في المسلسل لك ولصديقك فلان أنكم من عمال المقهى”.

مع بدء الثورة السورية تغيرت ملامح مقهى “الروضة”، مع عام 2011، شهد مقهى الروضة ازدياد رواده، حيث بات مقصد المعارضين والباحثين عن الحرية والكرامة، إضافة للشباب الثائر الذين كانوا يزورون العاصمة دمشق من كافة أنحاء المحافظات السورية كي يقتربوا أكثر من قلب سورية.

ومع ارتفاع وتيرة العنف من قبل نظام الأسد في الأشهر الأولى من الثورة السورية ضد المطالبين بحريتهم، شهد المقهى أوائل الحوارت بين المثقفين حول مستقبل سورية وضرورة التغيير السياسي، ما أدى لاعتقال أغلب المعارضين أو قتلهم أو باتوا لاجئين في بلاد الاغتراب، حيث دب الصمت في المقهى، ولم نعد نسمع في زواياه أصوات رواده المعروفين من كتّاب ونقاد وروائيين وسياسيين حولوا هذا المقهى الثقافي إلى مكان إقامة، أو عمل، لهم.

  • Social Links:

Leave a Reply