لبنان الغارق في العزلة وأزمات متداخلة

لبنان الغارق في العزلة وأزمات متداخلة

عبد الوهاب بدرخان _الخليج الجديد

 

عنُفت احتجاجات طرابلس فراحت أطراف منظومة الحكم تتبادل الاتهامات بإشعالها بدل أن تبلور مبادرات استجابة لمطالبها.

الأزمة الاقتصادية زادت معدلات الفقر وما دونه إلى 55-60 بالمئة والأزمة الصحيّة صعّدت الخشية من الجوع الذي ظل مقَنَّعاً حتى الآن.

أمضى لبنان زمنا طويلا بفراغ رئاسي أو حكومات قيد التشكيل أو حكومات مكبّلة مما أدّى لاهتراء الدولة وعزلته عن أصدقاء وأشقاء دأبوا على مساعدته لتجاوز أزماته.

كل ما يمكن أن نعتقده أو نتخيّله أو حتى نبالغ فيه، لدى تحليل الوضع في لبنان، يبقى أدنى وأقلّ من الحقيقة، تحديداً في تناول دور الدولة التي لم يعد دقيقاً القول إنها تمارس مسؤولياتها وواجباتها، باستثناء جهود منظومة الحكم للحفاظ على السلطة اعتماداً على الأجهزة الأمنية.

وفي هذا الإطار أصبح الانهيار الشامل واقعاً وليس توقّعاً، فالأزمة الاقتصادية المالية تداخلت بالأزمة الصحّية لتسعّرا الغضب الاجتماعي، وتضافر انهيار العملة والقدرة الشرائية مع إجراءات الإغلاق الكامل لمكافحة تفشي فيروس «كوفيد-19» على تظهير الفقر والبطالة.

كل ذلك على خلفية أزمة سياسية مستعصية تستمر في تعطيل ولادة حكومة جديدة ربما يُعوَّل عليها للبدء بمعالجة المعضلات القائمة ووقف الانهيار الحاصل.

الحكومة الراهنة مستقيلة منذ منتصف أغسطس 2020، بعد أيام على كارثة انفجار المرفأ، وهي تصرّف الأمور العاجلة في انتظار الحكومة التالية العالقة في الحسابات السياسية لـ«حزب الله» وحليفه «التيار العوني» (حزب رئيس الجمهورية).

كلاهما يتخادم في عملية التعطيل. واقعياً، يرفض الرئيس ميشال عون حكومةً برئاسة سعد الحريري سواء لدوافع شخصية أو سياسية تتعلّق بتوريث الرئاسة لصهره جبران باسيل (المرفوض شعبياً والواقع تحت عقوبات أميركية).

لذلك يماطل الرئيس ويفتعل الشروط معتمداً على هيمنة «حزب الله» ورغبته في انتظار متغيّرات إقليمية لمصلحة إيران بعد مجيء الإدارة الأميركية الجديدة.

وإذ يتظاهر هذا «الحزب» بتأييد الحريري وتسهيل مهمّته، وبتأييد المبادرة الفرنسية التي حدّدت جدول أعمال حكومة من الاختصاصيين، إلا أنه يرفض مبادرة كهذه قد تحدّ تدريجياً من هيمنته.

وعلى مدى عام ونيّف تراكمت المعاناة الشعبية، وجاء الوباء ليضاعفها، فالإغلاق التام يعني أن أكثر من نصف مليون شخص وعائلاتهم يواجهون فوراً انقطاع مصدر معيشتهم، وأن مزيداً من الشركات الصغيرة وأصحاب المهن المرتبطة بالحياة اليومية سيفقدون القدرة على الاستمرار.

وكان من الطبيعي أن يتفجّر هذا الوضع في طرابلس وشمال لبنان، المنطقة الأكثر فقراً وغير الخاضعة عملياً لقمع «حزب الله» والميليشيات الحليفة له.

ثمة مناطق أخرى تعاني وقد تكون مرشّحة لتفجير غضبها قريباً، إمّا بسبب تدهور المعيشة أو لانهيار النظام الصحّي. فالجهات الحكومية المعنية لم تبنِ استراتيجية لمكافحة الوباء ولا لاستقبال اللقاح ولا لوضع أسس للحماية الاجتماعية تخفيفاً لوطأة الإغلاق.

وعندما عنُفت الاحتجاجات في طرابلس راحت أطراف منظومة الحكم تتبادل الاتهامات بإشعالها بدل أن تبلور مبادرات لاستجابة مطالبها.

الأزمة الاقتصادية زادت معدلات الفقر وما دونه إلى 55-60 في المئة، والأزمة الصحيّة صعّدت الخشية من الجوع الذي ظل مقَنَّعاً حتى الآن، لكنه بات يفرض على الدولة مهمّة لا يبدو أركانها واعين خطورتها.

الحاجة ملحّة إلى حكومة يتعامل المجتمع الدولي معها، لكنها مؤجّلة منذ خمسة أشهر بل أكثر، وليس هناك أفق لظهورها ولا تصوّر محدّد لفاعليتها، فالصراعات الطائفية والمذهبية تدير حالياً انهيار النظام والدولة آملةً في انبثاق نظامٍ ودولة مستوحَيين من موازين القوى الإقليمية المتحوّرة، مثلها مثل الفيروس.

أمضى لبنان نصف الـ16 عاماً الماضية، إما في فراغ رئاسي أو مع حكومات قيد التشكيل أو حكومات موجودة لكن معطّلة ومكبّلة، مما أدّى إلى هزال الدولة واهترائها، وإلى عزل لبنان عن أصدقائه الدوليين وأشقائه العرب الذين دأبوا على مساعدته لتجاوز أزماته.

  • Social Links:

Leave a Reply