إبراهيم الجبين – العرب
يبشّرنا العلماء بظاهرة جديدة على الإنسانية لم تكن معروفة سابقا، وهي ظاهرة العجز عن عدّ الخراف قبل النوم. ولا شك أن من يقرأ هذه السطور الآن كان قد تلقى، مثلنا، نصيحة عدّ الخراف في طفولته كي يتخلّص من الأرق. بعضنا لم يكن يحسن فعل ذلك، فيسهر الليل بطوله يبحث عن الخراف تحت الوسادة، دون جدوى.
يقال إن أول رصد لهذه الحالة يرجع إلى القرن التاسع عشر. لكن الحديث عاد من جديد مع تطوّر الدراسات العلمية حين صرّح أحد المصابين لهيئة الإذاعة البريطانية بالتالي “كنتُ أعلمُ بأنني مختلفٌ عمّن هم في عمري. لم أكن قادرا على رؤية الخراف تقفز من فوق السياج”.
وهو ما بات يعرف اليوم باسم “أفانتازيا” أو “غياب عين العقل”. بعد أن صيغ كمصطلح لأول مرة في العام 2015 على يد البروفيسور آدم زيمان في جامعة إكستر البريطانية.
أخطر ما في الأمر أن أصحاب هذا الوضع قد يعيشون حياتهم كاملة دون أن ينتبهوا إلى أن الذاكرة البصرية لديهم شحيحة للغاية، فهم لا يتذكرون التفاصيل ولا الألوان. وتعلّل ذلك ويلما باينبيردج الأستاذة المساعدة لعلم النفس في جامعة شيكاغو بأن هؤلاء “يعانون مشكلة في هذه المهام البصرية، حيث أنهم يعتمدون على استراتيجيات أخرى مثل التمثيل اللفظي”.
ويضاف إلى ذلك عند الأفانتازيين أن غياب عين العقل لديهم يطوّر في عقولهم إمكاناتٍ بديلة، هي افتراض وجود الأشياء، وحين لا يتذكرون وجود صورة ما فإنهم يزعمون وجود كائنات ووقائع بديلة.
في نهاية الثمانينات ظهر مصطلح “الفاتنازيا التاريخية” في الدراما العربية، فرأينا جوارح وكواسر وهلاهل، وفي تلك الدراما، كان الكاتب يقوم باختراع وقائع لم تحصل، وافتراض أماكن وأسماء لم يعرفها التاريخ، ويُركّب عليها قصصاً باللغة العربية الفصحى، والمخرج يجعل الممثلين يتصرفون وكأنهم من عصور ما قبل الإسلام أو في العهود الأموية والعباسية وسواها. ثم يتابع كل هذا الملايين من المشاهدين من المحيط إلى الخليج، ويراقبون نجومهم المحبوبين وهم يتقمصون شخصيات مثيرة، ليقال لهم أخيرا إن هذا غير صحيح وأنه مجرد فانتازيا. مع أن غالبية منهم لا تزال تصدّق تلك القصص وتعتبرها حقائق، وتعتدّ بشخصيات مثل “ابن الوهّاج” وتستعمل العبارة الشهيرة “لقد فعلها أسامة”!
ما الذي تم تدريب العقل العربي عليه في تلك التجربة؟ خلقُ واقعٍ افتراضي بديل عن الحالة التي لا تراها عين العقل العربية في الواقع الحقيقي؟ إيقاظ الأفانتازيا بعد تغييب عين العقل؟
ومن يدري فلعلّ مشكلة مشاكل العرب السياسية والاستراتيجية والتنموية مع واقعهم إنما أسبابها بصرية، وأنهم أفانتازيون بجدارة، لا يرون ما يدور حولهم بعين العقل.
فهل فعلها أسامة؟
Social Links: